للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الدعوة، في مسألة خطاب الله لنبيه بربوبيته لبيان رعايته له وخطاب الله للمشركين بألوهيته لبيان حقه عليهم، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: ذكر الفرق بين الاسناد في كلمة (ولو شاء الله، ولو شاء ربك) وأن كل منهما جاءت في مقامها المناسب، فالإسناد لاسم الجلالة في مقام إظهار الحقائق وما كان الواجب على المشركين تجاه هذه الحقائق، فناسب وصف الألوهية في خطابهم للقيام بحق الله عليهم، وجاء الاسناد الثاني في بيان أن هذا ما اقتضته مشيئة الله لك من حسن تربيتك والعناية بك ونصرك على أعدائك، فناسب وصف الربوبية في خطاب نبيه ورعاية الله له.

وهذا المعنى الذي ذكره الشيخ، لم يتطرق إليه المفسرون فيما وقفت عليه.

[[تمام كلمة الله القدرية والشرعية من تمام فضله وعدله]]

قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)} [سورة الأنعام: ١١٥].

٢٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "أما تمامها صدقا فهو وقوع مضمونها من حيث كونها خبرا، وأما تمامها عدلا فمن حيث كونها جزاء للكافرين المعاندين للحق بما يستحقون، وللمؤمنين المهتدين بما يستحقون، وإن كانوا بمقتضى الفضل يزادون، وإذا كانت هذه الآية نزلت بمكة قبل نصر الله تعالى نبيه على طغاة قومه في بدر وغيرها، فالفعل الماضي فيها "تمت" بمعنى المستقبل، فهو لتحقق وقوعه كأنه وقع، وهذا من ضروب المبالغة البليغة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في توحيد الربوبية، في مسألة تمام كلمة الله القدرية والشرعية من تمام فضله وعدله، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: دلت الآية على وقوعها صدقا بأنها خبر، ووصف العدالة فيها أفاد أنها ما يجازى عليه المؤمنون والكافرون كل بعمله، فكأن هذه الآية بمعناها الماضي تدل على معنى مستقبل فيه البشرى بالنصر على الأعداء وتحقيق وعد الله كما في هذه الآية.

وأن كلمة (تمت) في الآية بمعنى استمرت وصحت، لا بمعنى كملت بعد نقص، فإن هذا يستحيل على كلمة الله عز وجل التي هي من صفاته ولها أكمل المعنى وأتمه وأحسنه.

قال الزمخشري: "تَمَّتْ في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا، وليس بتمام من نقص" (٢).

قال أبو حيان: "وقيل: فيما تضمن من خبر وحكم أو فيما كان وما يكون، أو فيما أمر وما نهى أو في الترغيب والترهيب أو فيما قال: هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار أو في الثواب والعقاب أو في نصرة أوليائه وخذلان أعدائه، أو في نصرة الرسول ببدر وإهلاك أعدائه أو في الإرشاد والإضلال أو في الغفران والتعذيب، أو في الفضل والمنع أو في توسيع الرزق وتقتيره أو في إعطائه وبلائه وهذه الأقوال أول القول فسر به الصدق والمعطوف فسر به العدل " (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١١).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٣٧).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٢٨).

<<  <   >  >>