للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة مدار الطاعة على البقاء في دائرة حدود الله، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: الله رغب في إقامة شرعه بتطبيق أحكام شرعه في المواريث عامة وفي معاملة النساء خاصة، فتلك إشارة إلى ما سبق من أحكام في أحوال اليتامى والزوجات والوصايا والمواريث، وجعل الله هذه الشرائع حدودا، لأنها مؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتعدوها إلى غيرها، لأنها مظنة الظلم وعدم العدل ورتب عليها الثواب، فمن عمل بها فقد دخل في طاعة الله وبقي في دائرة حدود الله وإقامتها، ومن لم يطبقها فقد خرج من حدود ربه، وحق عليه وصف العصيان المطلق.

قال ابن عطية: "وهذه آيتا وعد ووعيد، وتقدم الإيجاز في ذلك، ورجّى الله تعالى على التزام هذه الحدود في قسمة الميراث، وتوعد على العصيان فيها بحسب إنكار العرب لهذه القسمة" (١)، ومثل ذلك قال الرازي، والبيضاوي (٢).

قال أبو حيان: "تلك حدود الله قيل: الإشارة بتلك إلى القسمة المتقدمة في المواريث، والأولى أن تكون إشارة إلى الأحكام السابقة في أحوال اليتامى والزوجات والوصايا والمواريث، وجعل هذه الشرائع حدودا، لأنها مؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتعدوها إلى غيرها، ولما أشار تعالى إلى حدوده التي حدها قسم الناس إلى عامل بها مطيع، وإلى غير عامل بها عاص. وبدأ بالمطيع لأن الغالب على من كان مؤمنا بالله تعالى الطاعة، إذ السورة مفتتحة بخطاب الناس عامة، ثم أردف بخطاب من يتصف بالإيمان إلى آخر المواريث، ولأن قسم الخير ينبغي أن يبتدأ به وأن يعتنى بتقديمه" (٣).

وقال ابن سعدي: "تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها " (٤).

[[الإصرار على صغار المعاصي يفضي إلى الكبائر]]

قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)} [سورة النساء: ١٨]

٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن الإصرار على بعض أفراد الذنوب يغري صاحبه بأفراد أخرى من نوعها، أو جنسها، والشر داعية الشر، كما أن الخير داعية الخير" (٥).


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٢١).
(٢) مفاتيح الغيب (٩/ ٥٢٥)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٦٤)
(٣) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٥٥٠).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١٧٠)
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٣٦٧).

<<  <   >  >>