للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[تقديم العلة على الحكم وترتيبه عليها]]

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} [سورة البقرة: ٢٢٢]

٤٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "قدم العلة على الحكم ورتبه عليها ليؤخذ بالقبول من المتساهلين الذين يرون الحجر عليهم تحكما، ويعلم أنه حكم للمصلحة لا للتعبد كما عليه اليهود، والمراد من النهي عن القرب النهي عن لازمه الذي يقصد منه وهو الوقاع " (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب طرق الاستدلال، في مسألة تقديم العلة على الحكم وترتيبه عليها، من تقديم علة الحيض على حكمه، من دلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الأمر باعتزال النساء، لا يعني عدم مخالطتهن، وإنما النهي عن قربهن أي مواقعتهن، لما في المواقعة من الأذى والضرر عليهما جميعا، فإن سلم منه الرجل فلا تكاد تسلم منه المرأة، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه، لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهي إفراز الدم المعروف بالحيض، وليعلم أن الأخذ بهذا ليس تحكما، وإنما هو للمصلحة العامة لكليهما، وفي هذا إيقاع للحكم وقد تهيأت النفوس للاستعداد له، وقبوله، وفيه أن الحكم مصلحُ أكثر من أنه تعبدي.

قال الزمخشري: "فاجتنبوا مجامعتهم لقوله عليه الصلاة والسلام إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم وهو الاقتصاد بين إفراط اليهود وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعوهن ولا يبالون بالحيض وإنما وصفه بأنه أذى ورتب الحكم عليه بالفاء إشعارا بأنه العلة)، (ولا تقربوهن حتى يطهرن) تأكيد للحكم وبيان لغايته" (٢).

قال ابن عاشور: "تفريع الحكم على العلة، والاعتزال التباعد بمعزل وهو هنا كناية عن ترك مجامعتهن" (٣).

وقال ابن عثيمين: "قدم العلة على الحكم لتنفر النفوس من الفعل قبل الحكم به؛ فيقع الحكم وقد تهيأت النفوس للاستعداد له، وقبوله" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٨٥).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٥٠٩).
(٣) التحرير والتنوير (٢/ ٣٤٧).
(٤) تفسير القرآن للعثيمين (٥/ ٤٥).

<<  <   >  >>