للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل جاء هذا ذم لبعض الفرق: "ولقد جرأ أصحاب هذه الطريقة الصوفية على القول على الله بغير علم كما كذبوا وأكثروا على رسوله -صلى الله عليه وسلم- لتقوية مبادئهم الكثيرة وتأييدها وبالغوا في الكذب وزخرف القول" (١).

[[استيفاء شروط الجهاد]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)} [سورة آل عمران: ٢٠٠]

١٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "المصابرة، والمرابطة، وهي الرباط بمعنى مباراة الأعداء، ومغالبتهم في الصبر، وفي ربط الخيل كما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [سورة الأنفال: ٦٠] على الأصل الذي قرره الإسلام من مقاتلتهم بمثل ما يقاتلوننا به، فيدخل في ذلك مباراتهم في هذا العصر بعمل البنادق، والمدافع، والسفن البحرية والبرية والهوائية، وغير ذلك من الفنون، والعدد العسكرية، ويتوقف ذلك كله على البراعة في العلوم الرياضية، والطبيعية، فهي واجبة على المسلمين في هذا العصر؛ لأن الواجب من الاستعداد العسكري لا يتم إلا بها" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الجهاد، في مسألة استيفاء شروط الجهاد، من دلالة الأمر.

وجه الاستنباط: الأمر بالمصابرة والمرابطة والاستعداد للقاء العدو واجب شرعي، ولكل عصر أدواته الخاصة به، فمثلا في العصر الحاضر تنوعت أسلحتهم بين البنادق والمدافع والصواريخ وغيرها من فنون العدد العسكرية، وتعلم هذه الأمور من واجبات الدين، بناء على القاعدة الأصولية: مالا يتم الواجب به فهو واجب.

وهذا مما تفرد به رحمه الله ولم أجد أحدا أشار إلى هذا المعنى، بل جل المفسرين كانت أقوالهم في بيان المعنى العام للمرابطة ولم يتطرقوا إلى أساليب القتال وأدواته، ومن ذلك ما قاله ابن جرير: "وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوكم ورابطوهم" (٣).

وقال ابن كثير: "وقيل: المراد بالمرابطة هاهنا مرابطة الغزو في نحور العدو، وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين، وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك، وذكر كثرة الثواب فيه، فروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)) " (٤) (٥)، ومثله أبو حيان، والشوكاني (٦).


(١) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (٣/ ٨٦١).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٢٦١).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٧/ ٥٠٣).
(٤) رواه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله، ح (٢٧٣٥).
(٥) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ١٩٧).
(٦) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٤٨٥)، فتح القدير (١/ ٤٧٥).

<<  <   >  >>