للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الجهاد، في مسألة تقرير حكم الجهاد وبيان مراتبه، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: هذه الآية تصلح أن تكون قاعدة من قواعد الجهاد، فهي إرشاد إلى الاستمرار في القتال، خاصة بعد استقرار الإسلام فيها، فينطلق إلى البلاد المجاورة، سعيا لنشر الإسلام، وإقامة شرع الله فيه، وهذا ما ماسار عليه الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله.

وقد أشار جمهور العلماء إلى هذه المرتبة من الجهاد ولكن لم ينصوا على أنها قاعدة تصلح لكل ما يماثلها، ومنهم: الإمام أبو جعفر حيث قال: "يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: "يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، قاتلوا من وليكم من الكفار دون من بَعُد منهم، يقول لهم: ابدأوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دون الأبعد فالأبعد، وكان الذين يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ، الروم، لأنهم كانوا سكان الشام يومئذ، والشأم كانت أقرب إلى المدينة من العراق، فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد، فإن الفرض على أهل كل ناحية، قتالُ من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم، ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام، فإن اضطروا إليهم، لزمهم عونهم ونصرهم، لأن المسلمين يدٌ على من سواهم" (١)، ومثله الزمخشري (٢).

قال ابن عطية: "قيل هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال الكفار كافة فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام، قال القاضي أبو محمد: وهذا قول يضعفه هذه الآية من آخر ما نزل، وقالت فرقة: إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قوما من الكفار غازيا لقوم آخرين أبعد منهم، فأمر الله تعالى بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة، وقالت فرقة: الآية مبينة صورة القتال كافة وهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة، ومعناها أن الله تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجنس الذي يصاقبه من الكفرة، وهذا هو القتال لكلمة الله ورد الناس إلى الإسلام، وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المسلمين كفاية عدو ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد" (٣).

قال القرطبي: "فيه مسألة واحدة، وهو أنه سبحانه عرفهم كيفية الجهاد وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرب، فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام، وقال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين، فهي من التدريج الذي كان قبل الإسلام" (٤).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٤/ ٥٧٥ - ٥٧٤).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٣٢٤)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١١٢).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٥٢٧).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>