للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[تأديب العالم للمتعلم لحبه لا لبغضه ولهدايته لا لإضلاله]]

قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)} [سورة الأنعام: ٥٢]

١٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ويستنبط من الآية ألا يجوز لرؤساء المدارس الدينية ولا ينبغي لغيرهم عقاب أحد من طلاب العلم بالحرمان من بعض الدروس فضلا عن طرده من المدرسة، وحرمانه من تلقي الدين والعلم ألبته، ولكن قد يجوز ذلك بمقتضى نظام لا لأجل الانتقام، وقد كان من هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- تأليف قلوب ضعفاء الإيمان حتى بعد قوة الإيمان واعزازه، بل كان يعامل المنافقين بما يقتضيه ظاهر إسلامهم، عملا بقاعدة بناء الأحكام على الظواهر، وأن الله هو الذي يتولى السرائر" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا سلوكيا، في باب التربية والتزكية، في مسألة تأديب العالم للمتعلم لحبه لا لبغضه ولهدايته لا لإضلاله، بدلالة لفظ الأمر في الآية.

وجه الاستنباط: لا ينبغي لمعلم أو أي جهة علمية منع وطرد أي طالب للعلم، وهذا كان واضحا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يطرد المنافقين الذين آذوه في نفسه وفي زوجه، وينبغي أن يكون التأديب بوسيلة أخرى غير المنع والطرد، فإن في هذا فسادا وأثرا ضارا يربو على المصلحة المتوقعة من الطرد والإبعاد، ولا يكون الطرد والإبعاد إلا لمصلحة رجحت في حالٍ تيقنت، ومحكومة بأنظمة معينة إذا خولفت تم على إثرها العقاب المنصوص عليه.

ولم أجد من المفسرين من ذكر هذا المعنى، فهذا استنباط مهم لكل من تبوّأ تعليم الناس أن يربي نفسه على البعد عن حظوظ النفس وعلى اتباع الأنظمة والتعاليم التي تترقى بالتعليم وأهله.

[[الاستشهاد بالآيات على النوازل]]

قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥)} [سورة الأنعام: ٦٥]

١٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ومثال ما عبر القرآن عنه مما يشمل ما لم يكن في زمن تنزيله ولا فيما قبله بحسب ما يعلم البشر هذه الآية التي ظهر تفسيرها في هذا الزمان بهذه الحرب الأوربية التي لم يسبق لها نظير؛ فقد أرسل الله على الأمم عذابا من فوقها بما تقذفه الطيارات والمناطيد من المقذوفات النارية والسموم البخارية والغازية التي لم تعرف قبل هذه الحرب فوق مقذوفات المدافع وغيرها مما كان معروفا قبلها، ولكن بعد تنزيل الآية، وعذابا من تحتها بما يتفجر من الألغام النارية، وبما ترسله المراكب الغواصة في البحر التي اخترعت في هذا العصر، ولبسها شيعا متعادية، وأذاق بعضها بأس بعض، فحل بها من التقتيل والتخريب ما لم يعهد له نظير في الأرض، ولا شك في أن دلالة الآية على هذه المخترعات مراد، لأن الله تعالى منزل القرآن هو علام الغيوب" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٣٦٩).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٤١٠).

<<  <   >  >>