للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب السابع: الاستنباطات في السياسة الشرعية]

مدلول السياسة الشرعية من خلال استقراء مضامين المؤلفات الفقهية في السياسة الشرعية تؤول إلى معنيين (١):

الأول: معنى عام، مرادفـ لـ (الأحكام السلطانية)، التي هي: اسم للأحكام والتصرفات التي تدبر بها شؤون الدولة الإسلامية، في الداخل والخارج، وفق الشريعة الإسلامية، سواء كان مستند ذلك نصاً خاصاً، أو إجماعاً أو قياساً، أو كان مستنده قاعدة شرعية عامة؛ وعليه: فالسياسة الشرعية بالمعنى العام: تشمل الأحكام والتصرفات التي تدبّر بها شؤون الأمة في حكومتها، وتنظيماتها وقضائها، وسلطتها التنفيذية والإدارية، وعلاقتها بغيرها من الأمم في دار الإسلام وخارجها، سواء كانت هذه الأحكام مما ورد به نص تفصيلي جزئي خاص، أو مما لم يرد به نص تفصيلي جزئي خاص، أو كان من شأنه التبدل والتغير، تبعاً لتغير مناط الحكم في صور مستجدة.

الثاني: معنى خاص، مندرج في السياسة الشرعية بالمعنى العام (الأحكام السلطانية)؛ واندراجه فيها من جهة طبيعة الأحكام، وأصول تشريعها؛ إذْ يُلمحُ في إفراد مسائلها، عدمُ ثبات الحكم، تبعا لاختلاف مناطه.

يقول ابن القيم رحمه الله: "ومن له ذوق في الشريعة، وإطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة، تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشرعية، علمها من علمها وجهلها من جهلها"، إلى أن يقول: "فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله" (٢).

والمقصود بها هنا: اظهار ما استنبطه الشيخ محمد رشيد رضا في هذا الجانب، وكيف وظّف استنباطه لتوجيه هذه العلاقة بين الأمور السياسية والأمور الشرعية، وذلك من خلال استنباطاته التالية:

ـ مسألة صفات الخليفة أو الملك: عند قوله تعالى: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [سورة البقرة: ٢٤٧]، قال: "والمتبادر عندي، أن معناه فضّله واختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطري للملك، وإنما تذكر تتمة للفائدة وبيانا للحقيقة؛ ولذلك ذكرت قاعدة عامة لا وصفا له" (٣).


(١) أضواء على السياسة الشرعية، د. سعد بن مطر العتيبي، (ص ١٢).
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ١١٧).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>