للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب التخصيص والحكمة منه، في مسألة من صور التحايل على شرع الله، الإدلاء للحكام، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: التحايل على شرع الله بأخذ أموال الغير بالأحكام التي ترفع للقضاء مما يقع من الشبهة فيه عند بعض الناس، إذ يعتقدون أن ما يأخذونها بحكم الشرع المتمثل في هذه الأحكام حلال عليهم وهم يعلمون أن ما حصلوا عليه ليس لهم، فكان هذا البيان إبطالا لهذا الاعتقاد.

قال قتادة (١): "لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حراما" (٢).

قال ابن عاشور: "وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أكل الأموال بالباطل؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة" (٣).

[[في أي سنة فرض الحج]]

قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [سورة البقرة: ١٩٦]

٣١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن الحج مما أقره الإسلام من ملة إبراهيم -عليه السلام- كما تقدم آنفا، وآية آل عمران في التصريح بفرضيته نزلت قبل هذه الآيات فيما يظهر؛ لأن سورة آل عمران نزلت عقب غزوة أحد سنة أربع، ولكن المسلمين لم يكن يمكنهم الحج قبل فتح مكة، فالطائف وكان فتحها في سنة ثمان، وفي سنة تسع خرجوا للحج أول مرة بإمارة أبي بكر (رضي الله عنه) وكانت تمهيدا لحجة النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة عشر إذ أذّن أبو بكر بالمشركين الذين حجوا فيها بألا يطوف بالبيت بعد هذا العام مشرك، ونزلت آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [سورة التوبة: ٢٨] ولهذا قال الجمهور: إن الحج فرض سنة تسع، والصواب أنه فرض قبلها ونفذ فيها" (٤).


(١) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السّدوسيّ، الحافظ العلامة، أبو الخطاب البصري، الضرير الأكمه المفسّر، مات بواسط في الطاعون سنة ١١٨ هـ، وله سبع وخمسون سنة، طبقات المفسرين للداوودي (٢/ ٤٧).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٣/ ٢٧٧)، معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٢١١).
(٣) التحرير والتنوير (٢/ ١٨٧).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٧٧).

<<  <   >  >>