للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[نعيم المؤمنين في الجنة حسي ومعنوي]]

قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)} [سورة المائدة: ١١٩]

٢١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والإشارة في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إلى كل من النعيمين الجثماني والروحاني اللذين يحصلان بعد النجاة من أهوال يوم القيامة، وقيل: إنه للثاني فقط، والأول أصح لأنه الأكمل ولأن مثل هذا الإطلاق ورد في إثر إطلاق الجزاء وفي إثر إطلاق الجزاء بالجنة مع النجاة من عذاب النار كما تراه في آخر سورة الدخان، وفي معناه ما في سورة المؤمن والحديد والصف والتغابن، فإن ذكر المغفرة فيها يتضمن معنى النجاة من عذاب النار بالجنة وحدها في آيتين من سورة التوبة غير الآية التي أوردناها آنفا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأيمان باليوم الآخر، في مسألة نعيم المؤمنين في الجنة حسي ومعنوي، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: من خلال استقراء النصوص ودلالاتها، قرر الشيخ أن النعيم المتحقق للمؤمنين يشمل نوعي النعيم الجسماني الجثماني والروحاني، اللذان يحصلان بعد النجاة من أهوال يوم القيامة، وأن دلالة اللفظ على كل معناه، ما لم ينحصر هذا المعنى بقرينة دلت على ذلك، وهذا يعطي النصوص كامل معناها وما يترتب عليها من عقائد وأحكام.

وذكر بعض المفسرين المعنى العام للفوز العظيم، ومنهم ابن جرير رحمه الله فقال: "ذلك الفوز العظيم" يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيًّا عنهم وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم بالطَّلِبة، وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أمَّلوا" (٢).

قال الشوكاني: "والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبدا، ورضوان الله عنهم، والفوز: الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال" (٣).

قال أبو حيان: "ذلك الفوز العظيم ذلك إشارة إلى ما تقدم من كينونة الجنة لهم على التأييد وإلى رضوان الله عنهم، لأن الجنة بما فيها كالعدم بالنسبة إلى رضوان الله" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٢٩).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١١/ ٢٤٥).
(٣) فتح القدير (٢/ ١٠٩).
(٤) البحر المحيط التفسير (٤/ ٤٢٣).

<<  <   >  >>