للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم أجد من أشار إلى هذا المعنى الفقهي البلاغي غير الشيخ.

[[سنة القرآن في النزاهة والكناية في الألفاظ]]

قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)} [سورة المائدة: ٦].

٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الغائط: المكان المنخفض من الأرض، وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط، وصار حقيقة شرعية في هذا الحدث، وعرفية في الرجيع الذي يخرج من الدبر، وملامسة النساء: هي المباشرة المشتركة بين الرجال وبينهن، وكل من التعبيرين كناية على سنة القرآن في النزاهة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا سلوكيا، في باب الآداب، في مسألة سنة القرآن في النزاهة والكناية في الألفاظ، بدلالة معاني الألفاظ.

وجه الاستنباط: القرآن كتاب هداية ورإشاد وبيان للأحكام، ومن سنة الله في القرآن الكريم في بيان الأحكام أنه يكني عن الأمور الخاصة بالإنسان والتي يستحى من ذكرها، كمكان قضاء الحاجة، وعن حالات ملامسة النساء بالجماع وغيرها، فيكنى عنها بما يفيد من المعاني، وهذا أسلوب تأديب للإنسان في ألفاظه، وهو أسلوب من أساليب البلاغة العربية.

وأشار إلى هذا المعنى كثير من المفسرين، كابن جرير فقال: " (الغائط): ما اتسع من الأودية وتصوَّب، وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان، لأن العرب كانت تختار قضاءَ حاجتها في الغِيطان، فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك، فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضي في الغِيطان، حيثُ قضاها من الأرض: مُتَغَوِّط وجاء فلان من الغائط، يعني به: قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض (٢). ومثله البيضاوي، والنسفي، والقرطبي، وغيرهم (٣).

وقال ابن كثير: "الغائط: هو المكان المطمئن من الأرض، كنى بذلك عن التغوط، وهو الحدث الأصغر" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٠٩).
(٢) جامع البيان (٨/ ٣٨٨).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٧٦)، تفسير النسفي (١/ ٤٣١)، الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٠٤).
(٤) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٣١٤).

<<  <   >  >>