للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عاشور: "ومعنى {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} النهي عن مفارقة الإسلام، أعنى ملة إبراهيم في جميع أوقات حياتهم، وذلك كناية عن ملازمته مدة الحياة لأن الحي لا يدري متى يأتيه الموت، فنهي أحد عن أن يموت غير مسلم أمر بالاتصاف بالإسلام في جميع أوقات الحياة، فالمراد من مثل هذا النهي شدة الحرص على ترك المنهي" (١).

[تنوّع الوحي المنزّل على أنبياء الله عز وجل]

قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)} [سورة البقرة: ١٣٦]

١٧. قال الشيخ رشيد رضا -رحمه الله-: "ولعل نكتة اختلاف التعبير أن يشمل ما أوتي موسى وعيسى تلك الآيات التي أيدهما بها كما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [سورة الإسراء: ١٠١] وقال: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [سورة البقرة: ٨٧] ثم قال: (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) ليدل على أن ذلك لم يكن خاصا بموسى وعيسى والله أعلم " (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا، في مسألة دلالة اختلاف التعبير، في مسألة تنوّع الوحي المنزّل على أنبياء الله عز وجل، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: أن التعبير بـ (أنزل) ذكر خاص في جانب الأنبياء الذين ليس لهم كتب تؤثر ولا صحف تنقل، وأن الإشارة بـ (أوتي) جاءت للتعبير عن الوحي للأنبياء الذين كان لهم كتب تؤثر في أقوامهم ويمكن الرجوع إليها والنظر فيها، وهذا من باب تنوع الكلام وتصرفاته، وهذا خاص بتلك الآيات التي أيد الله بها هذين النبيين، وفيه ثناء على أمة محمد أنها تؤمن بما أنزل على هذين النبيين اللذين بقي ديناهما حتى مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وقد أشار بعض المفسرين إلى النكتة في اختلاف التعبير في هذه الآية، فقال بعضهم: إن هذا من باب التنويع في الكلام وتصرفاته في ألفاظه وإن كان المعنى واحدا (٣).


(١) التحرير والتنوير (١/ ٧٠٩).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٣٩٨).
(٣) البحر المحيط (١/ ٦٥٠).

<<  <   >  >>