للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في بتب أعمال القلوب، في مسألة الحسد والكراهية سبب لعدم الإيمان والكيد للمؤمنين، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: دلت الآية على أن سبب عدم إيمان أهل الكتاب، وكتمانهم للحق الذي في كتبهم، وكيدهم للمؤمنين لصدهم عن سلوك الصراط المستقيم كان بسبب الحقد والكراهية في أن الله لم يخترهم لحمل هذا الدين القويم، وإلى هذا المعنى شواهد من القرآن الكريم، كما بينها الشيخ رحمه الله.

وما أشار إليه الشيخ من اللف والنشر، وذكر المتعدّدات مع ذكر ما يتعلّق بكلّ واحد منها (١) لم أجد من أشار إليه، وإنما كانت عباراتهم في بيان حال أهل الكتاب، ومن ذلك ما قاله ابن عطية: "والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني: أحدها: ولا تصدقوا تصديقا صحيحا وتؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم كراهة أو مخافة أو حذرا أن يؤتى أحد من النبوة والكرامة مثل ما أوتيتم، وحذرا أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر، مع المعرفة بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم" (٢).

وقال البيضاوي: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تقروا عن تصديق قلب إلا لأهل دينكم، أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار لمن كان على دينكم فإن رجوعهم أرجي وأهم. قل إن الهدى هدى الله هو يهدي من يشاء إلى الإيمان ويثبته عليه. أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم لأن يؤتى أحد، والمعنى أن الحسد حملكم على ذلك أو بلا تؤمنوا أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأشياعكم، ولا تفشوه إلى المسلمين لئلا يزيد ثباتهم ولا إلى المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام" (٣) ومثله النسفي، وأبو السعود (٤).


(١) ذكر المتعدّدات، مع ذكر ما يتعلّق بكل واحدٍ منها، إمّا لفّ ونشر، وإما تقسيم؛ أمّا اللّفُّ والنّشر: فهو فَنٌّ في المتعدّدات التي يتعلّق بكلّ واحِدٍ منها أَمْرٌ لاحق، فاللّف يُشار به إلى المتعدّد الذي يؤتى به أوّلاً، والنشر يُشار به إلى المتعدّد اللاّحق الذي يتعلّق كلُّ واحد منه بواحد من السابق دون تعيين، أما ذكر المتعددات مع تعيين ما يتعلّق بكلّ واحد منها فهو التقسيم. فإذا أتى المتكلم بمتعدّدٍ، وبعده جاء بمتعدّد آخر يتعلّق كلّ فرد من أفراده بفرد من أفراد السابق بالتفصيل ودون تعيين سُمِّيَ صَنيعُه هذا "لفَّاً ونشراً". وإذا كان المتعدد مفصل وجاء وفق ترتيب اللف، سمي اللف والنشر المرتب. البلاغة العربية (٢/ ٤٠٣).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٤٥٤).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٢٣).
(٤) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٢٦٥)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ٥٠).

<<  <   >  >>