للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك من خصص هذه الآية وجعلها خاصة بيوم بدر وعليه فإن التولي من الزحف بعدها لا يدخل في هذا الحكم ومنهم ابن الفرس (١) في أحكام القرآن (٢).

[[مجرى الأقوال والأفعال والأقدار في الكون وفق علم الله وعدله وفضله]]

قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [سورة الأنفال: ٢٣]

٣. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والآية نص في أنه تعالى لم يسمعهم، أي لم يوفقهم للسماع النافع، لأن الباعث عليه هو ما في الفطرة من نور الحق المحبب للنفس في الخير، وقد فقدوا ذلك بإفسادهم لفطرتهم، وإطفائهم لنور الاستعداد للحق والخير الذي يذكيه سماع الحكمة والموعظة الحسنة"، وقال: "أمثال هذه الآيات تحثو التراب في من يزعم أن الآية تدل على الجبر وعدم اختيار العبد في كفره وإيمانه، كما أنها تسجل الجهل باللغة على من يزعم أن فيها إشكالا في النظم بجواز تقدير: ولو أسمعهم لعلمه بأن فيهم خيرا لتولوا وهم معرضون عن الإيمان والهدى، ونقول: إن تقديره هذا هو الباطل؛ لأنه نقيض ما أفادته (لو) " (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان بالقدر، في مسألة مجرى الأقوال والأفعال والأقدار في الكون وفق علم الله وعدله وفضله، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: الله لم يوفق الكافرين لسماع النافع وذلك لوجود أسباب في أنفسهم منعتهم، وأن جبلتهم لا تقبل دعوة الخير والهداية والكمال (٤)، فلذلك انتفى عنهم الانتفاع بما يسمعون من الحكمة والموعظة والإرشاد، لأنه "لا فهم ولا قصد لهم صحيح، لو فرض أن لهم فهما، لأفهمهم، ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم؛ لأنه يعلم أنه لو أفهمهم لتولوا عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك" (٥).

قال ابن جرير: "تأويل الآية: ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا، لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون، ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا، لتولوا عن الله وعن رسوله، وهم معرضون عن الإيمان بما دلَّهم على صحته مواعظُ الله وعبره وحججه، معاندون للحق بعد العلم به" (٦)، وبنحوه قال الألوسي، وأبو السعود، وابن سعدي (٧).


(١) ابن الفرس عبد المنعم بن محمد الأنصاري، الشيخ، الإمام، شيخ المالكية بغرناطة في زمانه، أبو محمد ابن الفرس، ألف في أحكام القرآن كتابا من أحسن ما وضع في ذلك، توفي سنة ٥٩٧ هـ، سير أعلام النبلاء ط الرسالة (٢١/ ٣٦٤)، الوافي بالوفيات (١٩/ ١٥١).
(٢) أحكام القرآن ابن الفرس (٣/ ٧٩).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥٢٢).
(٤) التحرير والتنوير (٩/ ٣٠٧).
(٥) انظر: تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٤/ ٣٤)، زهرة التفاسير (٦/ ٣٠٩٦).
(٦) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٣/ ٤٦٢).
(٧) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٥/ ١٩٤)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٥)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣١٨).

<<  <   >  >>