للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشهاب الخفاجي (١): "والفرار عن الزحف بغير نية الكر، والإنحياز إلى فئة المسلمين كبيرة ما لم يكن الجيش قليلاً لا يقدر على المقاومة" (٢)، ومثله الألوسي (٣).

قال ابن عطية: "وأمر الله عز وجل في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنة من المشركين فالفرض أن لا يفروا أمامهم، فالفرار هناك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة، والذي يراعى العدد حسب ما في كتاب الله عز وجل: وهذا قول جمهور الأمة، وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة: يراعى أيضا الضعف والقوة والعدة فيجوز على قولهم أن تفر مائة فارس إذا علموا أن عند المشركين من العدة والنجدة والبسالة ضعف ما عندهم، وأمام أقل أو أكثر بحسب ذلك وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا أمام ما زاد على مائتين والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة، لأنها بشعة على الفار ذامة له" (٤) ومثله القرطبي (٥).

وقال الرازي: " ثم إنه تعالى لما نهى عن هذا الانهزام بين أن هذا الانهزام محرم إلا في حالتين:

إحداهما: أن يكون متحرفا للقتال، والمراد منه أن يخيل إلى عدوه أنه منهزم. ثم ينعطف عليه، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها، يقال: تحرف وانحرف إذا زال عن جهة الاستواء. والثانية: قوله: أو متحيزا إلى فئة قال أبو عبيدة: التحيز التنحي وفيه لغتان: التحيز والتحوز. قال الواحدي: وأصل هذا الحوز، وهو الجمع. يقال: حزته فانحاز وتحوز وتحيز إذا انضم واجتمع، ثم سمي التنحي تحيزا، لأن المتنحي عن جانب ينفصل عنه ويميل إلى غيره.

إذا عرفت هذا فنقول: الفئة الجماعة، فإذا كان هذا المتحيز كالمنفرد، وفي الكفار كثرة، وغلب على ظن ذلك المنفرد أنه إن ثبت قتل من غير فائدة، وإن تحيز إلى جمع كان راجيا للخلاص، وطامعا في العدو بالكثرة، فربما وجب عليه التحيز إلى هذه الفئة فضلا عن أن يكون ذلك جائزا والحاصل أن الانهزام من العدو حرام إلا في هاتين الحالتين" (٦).


(١) أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين الخفاجي المصري: قاضي القضاة وصاحب التصانيف في الأدب واللغة. نسبته إلى قبيلة خفاجة. ولد سنة ٩٧٧ هـ، ونشأ بمصر، وفيها توفي سنة ١٠٦٩ هـ. من مصنفاته: (ريحانة الألبا)، و (عناية القاضي وكفاية الراضي) حاشية على تفسير البيضاوي، ثماني مجلدات، الأعلام للزركلي (١/ ٢٣٨).
(٢) حاشيه الشهاب علي أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عنايه القاضي وكفاية الراضي (٤/ ٢٦٠).
(٣) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٥/ ١٧٠).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٥١٠).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٣٨٠).
(٦) مفاتيح الغيب (١٥/ ٤٦٥).

<<  <   >  >>