للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[تأديب المحسن للعامل بشكره وإحسانه وإنعامه عليه]]

قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)} [سورة البقرة: ١٥٨]

٢٢. قال الشيخ -رحمه الله-: "والنكتة في اختيار هذا التعبير تعليمنا الأدب، فقد علمنا سبحانه وتعالى بهذا أدبا من أكمل الآداب، بما سمى إحسانه وإنعامه على العاملين شكرا لهم مع أن عملهم لا ينفعه ولا يدفع عنه ضراً" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأسماء والصفات، في مسألة تأديب المحسن للعامل بشكره وإحسانه وإنعامه عليه، بدلالة اللغة.

وجه الاستنباط: في هذا أدب من أكمل الآداب، حيث سمى الله إحسانه وإنعامه على العاملين شكرا لهم، فإنه يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، وإذا قام العبد بأوامره، وامتثل طاعته، أعانه على ذلك، وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورا وإيمانا وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطا، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق، ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا، لم تنقصه هذه الأمور، وهذا من واسع رحمة الله ورأفته بعباده وترغيبهم في الاستزادة من الإيمان والطاعات.

وإن من شُكر الله التخلق والتأسي به عز وجل في أسمائه الحسنى كما تقرر ذلك عند أهل السنة في باب الأسماء والصفات.

قال ابن القيم: " وهذا شأن أسمائه الحسنى، فإن أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها" (٢).

[[معرفة الحق مبنية على إعمال العقل واتباع النقل]]

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠)} [سورة البقرة: ١٧٠]

٢٣. قال الشيخ -رحمه الله-: "الهمزة للإنكار والتعجب، وهي داخلة على فعل حذف للعلم به من القرينة، "ولو" للغاية لا تحتاج إلى جواب وجزاء، والتقدير أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم في كل حال وفي كل شيء، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من عقائد الدين، إذ لا يسلكون طريق العقل بالاستدلال على أن ما هم عليه من العقائد والعبادات حق، ولا يهتدون في أحكامه وأعماله بوحي من الله جاءهم به رسول من عند الله، أي حتى في تجردهم من دليلي العقل والنقل، هذا ما أفهمه" (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٨)
(٢) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ٣٣٧.
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٧٤).

<<  <   >  >>