للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مكانة الحكمة والعدل في رفعة الأمة] قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة آل عمران ٢١] قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- وأقول على ما تقدم من الاختيار إنه يشعر بشمول قوله الذين يأمرون بالقسط لمن بلغته دعوة نبي على وجهها فآمن به، ومن لم يكن كذلك، وإلا لقال والذين يأمرون بالقسط من المؤمنين، وفي هذا تعظيم شأن الحكمة والعدالة ما فيه من شرف الإسلام وإرشاد أهله إلى أن يكونوا من أهل هذه المرتبة التي تلي مرتبة النبوة (١). الدراسة استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة مكانة الحكمة والعدل في رفعة الأمة، بدلالة العموم. وجه الاستنباط امتدحت الآية الذين يأمرون بالقسط والعدل بين الناس، وأن ما يقومون به هو عين الحكمة والعدالة، لأن ما يقومون به هو تحقيق لمصالح وإحسان ونصح بما ينفع في الدنيا والآخرة، وإن قتل بني إسرائيل لهم نابع من فساد عقائدهم وفساد نياتهم، وخبث مقاصدهم وانتكاس فطرهم، فاستحقوا على ذلك أشد العقوبات، وهم بذلك أبعد الناس عن صفات وخصائص المؤمنين الآمرين بالقسط والعدل والحكمة. وفي هذا تربية للأمة أن تكون في رتبة بعد رتبة الأنبياء، بالقيام بما أمر الله من العدل والحكمة والقسط. ونقل الرازي قول الحسن هذه الآية تدل على أن القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الخوف، تلي منزلته في العِظم منزلة الأنبياء (٢). قال القرطبي دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة، وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة (٣). قال أبو السعود (وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس) أي بالعدل ولعل تكريرَ الفعل للإشعار بما بين القتلين من التفاوت أو باختلافها في الوقت (٤). قال ابن سعدي ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له، فقابلوهم شر مقابلة، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات أشد العقوبات (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٢١٦).
(٢) مفاتيح الغيب (٧/ ١٧٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٤/ ٤٧).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٩).
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٢٦).

<<  <   >  >>