للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا علميا، في باب التفسير، في مسألة التفسير الموضوعي ينمّي ملكة التفسير والتأمل والتفكر في آيات الله، بدلالة جمع الآيات.

وجه الاستنباط: في ذكر آية الليل وفائدته، دليل على ما حذف من آية النهار وأنه وقت للحركة والسعي لكسب العيش، وبين أن هذا مفهوم من آيات أخر ذكرها، وكل آية لها تفسيرها الخاص بها، وهذا نوع من أنواع التفسير يعرف بالتفسير الموضوعي، وهو أحد أنواع أساليب التفسير (١)، الذي يعنى بتنمية ملكة التفسير والتأمل والتفكر في آيات الله، للخروج منها بفوائد دينية ودنيوية تقوم بها حياة المسلم.

ولم أجد من المفسرين من تطرق لهذه المعاني وهذا الأسلوب عند تفسيره لهذه الآية، مما يبين عناية الشيخ بالتفسير وتطور أساليبه للاستفادة منه في استخراج العظات والعبر التي تفيد في الحياة.

[[الله لا شريك له من أحد من خلقه في شيء مما اختص به]]

قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠)} [سورة الأنعام: ١٠٠]

١٨. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: " (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) أي وجعل هؤلاء المشركون لله سبحانه شركاء - وفسر هؤلاء الشركاء بالجن على طريق البدل النحوي - ولم يقل وجعلوا الجن شركاء لله، بل قدم وأخر في النظم لإفادة أن محل الغرابة والنكارة أن يكون لله شركاء لا مطلق وجود الشركاء، ثم كون الشركاء من الجن، فقدم الأهم فالمهم، ولو قال وجعلوا الجن شركاء لله لأفاد أن موضع الإنكار أن يكون الجن شركاء لله لكونهم جنا، وليس الأمر كذلك، بل المنكر أن يكون لله شريك من أي جنس كان" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة الله لا شريك له من أحد من خلقه في شيء مما اختص به، بدلالة الألفاظ.

وجه الاستنباط: بين الشيخ أن أسلوب النظم في التقديم والتأخير جاء لاستنكار ما فعله هؤلاء المشركون من اتخاذهم أحد مخلوقات الله وهم الجن، وجعلهم عدولا لله الخالق لهم جميعاً، وبين أن اتخاذ الشركاء لله هو الذي يجب أن ينكر على من فعله، لا جنس الشركاء.

وقد سار على هذا جمع من المفسرين؛ فقال ابن جرير: "فتأويل الكلام إذًا: وجعلوا لله الجنَّ شركاءَ في عبادتهم إياه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير"وخرقوا له بنين وبنات يقول: وتخرَّصوا لله كذبًا، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، وأنه لا ينبعي لمن كان إلهًا أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك" (٣).


(١) انظر: بحوث في أصول التفسير ومناهجه، د. فهد الرومي ٦٢، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه (ص: ١٢)
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٥٣٨).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١١/ ١٠).

<<  <   >  >>