للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان: "استغاث طلب الغوث لما علموا أنه لا بد من القتال شرعوا في طلب الغوث من الله تعالى والدعاء بالنصرة والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقوله وإذ يعدكم وتودون " (١).

قال ابن عاشور بعد أن قال أن هذه الآية إشارة إلى دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإيراده حديث عمر بن الخطاب: "وعلى هذه الرواية يكون ضمير تستغيثون مرادا به النبي -صلى الله عليه وسلم- وعبر عنه بضمير الجماعة لأن كان يدعو لأجلهم، ولأنه كان معلنا بدعائه وهم يسمعونه، فهم بحال من يدعون.

[[التولي من الزحف كبيرة إلا لغاية ومقصد شرعي]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} [سورة الأنفال: ١٥ - ١٦]

٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: " والآية تدل على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي ثم قال: "وهذا لا ينافي كون التولي حراما ومن الكبائر، ولا يقتضي أن يكون كل تول لغير السببين المستثنيين في آية الأنفال يبوء صاحبه بغضب عظيم من الله ومأواه جهنم وبئس المصير، بل قد يكون دون ذلك، ويتقيد بآية رخصة الضعف الآتية في هذه السورة، وبالنهي عن إلقاء النفس في التهلكة من حيث عمومها كما تقدم في سورة البقرة وسيأتي تفصيله قريبا" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الجهاد، في مسألة التولي من الزحف كبيرة إلا لغاية ومقصد شرعي، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: حرر الشيخ مسألة التولي من الزحف وجمع الأدلة، وخرج منها أن هناك أسبابا لا تعد من التولي من الزحف ولا تعد من الكبائر، منها ما ذكر في الآية، وهذه الطريقة من أساسيات العلم التي يجب أن يسير عليها طلاب العلم في تأصيلهم.

وذهب الشيخ إلى أن التولي من الزحف من غير سبب كبيرة تستوجب غضب الله جل وعلا، مثله مثل جمع من المفسرين، كابن كثير حيث قال: "فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب، فإنه حرام وكبيرة من الكبائر" (٣)، وابن العربي (٤).


(١) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٢٧٨).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥١٤ - ٥١٥).
(٣) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٤/ ٢٨).
(٤) أحكام القرآن لابن العربي، ط العلمية (٢/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>