للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والنهي عن قرب الشيء أبلغ من النهي عنه، لأنه يتضمن النهي عن الأسباب والوسائل التي تؤدي إليه وتوقع فيه، وعن الشبهات التي تحتمل التأويل فيه، فيحذرها التقي إذ يعدها هضما لحق اليتيم، ويقتحمها الطامع إذ يراها بالتأويل مما يحل له لعدم ضررها باليتيم، أو لرجحان نفعها له على ضررها، كأن يأكل من ماله شيئا بوسيلة له فيه ربح من جهة أخرى في عمل لولاه لم يربح ولم يخسر" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب حفظ المال، في مسألة النهي عن قرب مال اليتيم قطعٌ لشبهات المتأولين والطامعين فيه، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: دلالة لفظ النهي عن الاقتراب من مال اليتيم أولى من النهي عن أكله، إلا ما فيه تثميره وصلاحه، فهي دافعه لشبهات المتأولين أو الطامعين فيه.

وأشار بعض المفسرين إلى هذا فقال ابن عطية: "هذا نهي عن القرب الذي يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة، ثم استثنى ما يحسن وهو التثمير والسعي في نمائه، قال مجاهد: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ التجارة فيه ممن كان من الناظرين له مال يعيش به، فالأحسن إذا ثمر مال يتيم ألا يأخذ منه نفقة ولا أجرة ولا غيرها من كان من الناظرين لا مال له ولا يتفق له" (٢)، ومثله أبو حيان (٣).

قال أبو السعود: " {ولا تقربوا مال اليتيم} توجيه النهي إلى قربانه لما مر من المبالغة في النهي عن أكله ولإخراج القربان النافع عن حكم النهي بطريق الاستثناء أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه" (٤).

[التوحيد والعدل قاعدةٌ أساس في الإصلاح البشري وفي هدم الوثنية]

قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤)} [سورة الأنعام: ١٦٤]

٣٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهي قاعدة من أصول دين الله تعالى الذي بعث به جميع رسله كما قال في سورة النجم: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [سورة النجم: ٣٦ - ٣٩]، وهي من أعظم أركان الإصلاح للبشر في أفرادهم وجماعاتهم، لأنها هادمة لأساس الوثنية، وهادية للبشر إلى ما تتوقف عليه سعادتهم الدنيوية والأخروية" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٦٧).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٦٢).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٨٨).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٩٩).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢١٧).

<<  <   >  >>