للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[لا يجيب الدعاء إلا الله]]

قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} [سورة البقرة: ١٨٦]

٢٨. وقال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: " ولا دليل في الآية على أن كل دعاء يجاب، بل هي نفسها دليل على أنه لا يجيب الدعاء إلا الله" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في توحيد الألوهية، في مسألة لا يجيب الدعاء إلا الله، بدلالة المفهوم من الآية.

وجه الاستنباط: أن الدعاء من أعظم مقامات العبودية لله، لأنه إظهار افتقار العبد لخالقه، فلا يصرف الا لله وحده، ولا يتحقق إلا بشروط، فإذا جاءت الإجابة كانت تفضلا ومنّةً من الله وليس إلزاماً يقتضي إجابة الدعوة من كل أحد وفي كل زمان، لأن الخبر لا يقتضي العموم، وعليه فلا يجوز صرفه إلا لله عز وجل، وهو بهذا يرد على عباد القبور ومن يطلب منها الرزق والشفاء.

ووافق بهذا جمع من المفسرين منهم ابن عطية (٢) حيث قال: "قوله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم" (٣)، ونقل ذلك عنه القرطبي (٤).

وقال أبو حيان: "قيل: والدعاء أعظم مقامات العبودية لأنه إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والشرع قد جاء بالأمر به، وقد دعت الأنبياء والرسل، ونزلت بالأمر به الكتب الإلهية، وفي هذا رد على من زعم من الجهال أن الدعاء لا فائدة فيه، وليؤمنوا بي معطوف على: فليستجيبوا لي، ومعناه الأمر بالإيمان بالله، وحمله على الأمر بإنشاء الإيمان فيه بعد، لأن صدر الآية يقتضي أنهم مؤمنون، فلذلك يؤول على الديمومة، أو على إخلاص الدين، والدعوة، والعمل، أو في الثواب على الاستجابة لي بالطاعة أو بالإيمان وتوابعه، أو بالإيمان في: أني أجيب دعاءهم" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٣٧).
(٢) عبد الحق بن غالب بن عبد الملك بن تمام بن عطية، أبو محمد، الإمام الكبير قدوة المفسرين، القاضي، كان فقيها عارفا بالأحكام والحديث والتفسير بارعا في الأدب ذا ضبط وتقييد وتجويد وذهن سيال، له المحرر الوجيز في التفسير ولو لم يكن له إلا هو لكفى، وتوفي سنة ٥٤٢ هـ، الوافي بالوفيات (١٨/ ٤٠).
(٣) المحرر الوجيز (١/ ٢٥٦).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٣٠٩ - ٣١٣).
(٥) البحر المحيط (٢/ ٢٠٩ - ٢٠٧).

<<  <   >  >>