للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استنباطات سورة المائدة]

[[المؤمن يفي بكل العقود التي ارتبط بها]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)} [سورة المائدة: ١]

١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وأساس العقود الثابت في الإسلام هو هذه الجملة البليغة المختصرة المفيدة أوفوا بالعقود وهي تفيد أنه يجب على كل مؤمن أن يفي بما عقده وارتبط به، وليس لأحد أن يقيد ما أطلقه الشارع إلا ببينة منه" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب العقود، في مسألة المؤمن يفي بكل العقود التي ارتبط بها، بدلالة العموم.

وجه الاستنباط: دل الأمر في الآية على وجوب الوفاء بكل عقد التزم به المؤمن من العقود الخاصة بينه وبين خالقه من تحليل الحلال وتحريم الحرام، وبكل ما التزم به في معاملاته العامة بكل من ارتبط بهم، في كل حالات اليسر والعسر، لأن هذا من مقتضيات الإيمان الكامل، وهذا المعنى يحقق مقصدا شرعيا كليا، في كل جوانب الحياة، بين العبد وربه، ونفسه، ومن حوله.

ومن المفسرين من جعل الأمر عاما شاملا لكل عقد، ومنهم الزمخشري فقال: "وهي عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف، وقيل: هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات ويتحالفون عليه ويتماسحون من المبايعات ونحوها، وأنها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه وأنه كلام قدم مجملا ثم عقب بالتفصيل وهو قوله أحلت لكم وما بعده" (٢)، ومثله الرازي، والنسفي، وابن كثير، وكذا أبو السعود (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ١٠٠).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٠١).
(٣) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٧)، مفاتيح الغيب (١١/ ٢٧٦)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٢٣)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢).

<<  <   >  >>