للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الدعوة، في مسألة ضرب الأمثال يثمر التفكر مبدأ العلم وطريق الحق وهو أقوى من الدلائل والحجج، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: ضرب الأمثال وتقريب المعاني في صور محسوسة أقرب إلى الفهم، وأقوى في التأثير من سوق الدلائل والحجج المجردة، وثمرته التفكرالذي هو مبدأ العلم وطريق الحق، وقد نوّع الله سبحانه وتعالى في أساليب ضرب المثال في القرآن بثلاثة أنواع من الأمثال، الصريحة والمرسلة والكامنة (١)، كما امتلأت السنة المطهرة بضرب الأمثلة والتربية بها.

وأشار إلى ذلك جمع من المفسرين كالزمخشري، والنسفي وابن عطية والقرطبي، والشوكاني (٢)، فقالوا: إن في ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني.

وقال الرازي: "أن المقصود من ضرب الأمثال أنها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه، وذلك لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته، ويصير الحس مطابقا للعقل وذلك في نهاية الإيضاح" (٣)، وذكر في موضع آخر: "إعلم أن ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقول".

وقال أبو السعود: "دعاهم إلى الحق بفنون الدعوة التي من جملتها ضرب الأمثال فإنه ألطف ذريعة إلى تفهيم القلوب الغبية وأقوى وسيلة إلى تسخير النفوس الأبية كيف لا وهو تصوير للمعقول بصورة المحسوس وإبراز لأوابد المعاني في هيئة المأنوس فأي دعوة أولى منه بالاستجابة والقبول" (٤).

وجمع ابن سعدي فوائد ضرب الأمثال في القرآن، فقال يستفاد منه أمور: "التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس، بحيث يكون نسبته للعقل، كنسبة المحسوس إلى الحس، وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر، وإبطال أمر" (٥).


(١) للإستزادة انظر: البرهان في علوم القرآن (١/ ٤٨٦)، الإتقان في علوم القرآن (٤/ ٤٤) وغيرها من كتب علوم القرآن.
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٥٥٣)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٢/ ١٧٢)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٤/ ١٨٥)، الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٢٥٩)، فتح القدير (٣/ ١٢٨)، زهرة التفاسير (١/ ١٧٤).
(٣) مفاتيح الغيب (٢/ ٣١٢ - ٣٦٢).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٥/ ١٥).
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٤)

<<  <   >  >>