للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو زهرة: "قد تكلمنا في معنى هذا النص الكريم، وما فيه من توكيد، وذكرنا أن القرآن المنصف لَا يحكم على الجميع بالشر، وفيهم أخيار، ولذلك كان حكمه على الكثرة لَا على القلة، وإن طغيانهم هو ظلمهم للحقائق، وإفراطهم فيما يطغون به على أهل الإيمان، وأشرنا إلى علة ذلك وهي حقدهم، وحسدهم، وأن النعمة تجيء إلى المحسود، فتزيد الحاسد حقدا وضغنا" (١).

[[شناعة وقبح جريمة القتل وأن قتل الأنبياء أشد شناعة وقبحا]]

قال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (٧٠)} [سورة المائدة: ٧٠]

١٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والتعبير عن القتل بالمضارع مع كونه كالتكذيب وقع في الماضي نكتته تصوير جرم القتل الشنيع واستحضار هيئته المنكرة كأنه واقع في الحال للمبالغة في النعي عليهم والتوبيخ لهم. فقد أفادت الآية أنهم بلغوا من الفساد واتباع أهوائهم أخشن مركب وأشده تقحما بهم في الضلال حتى لم يعد يؤثر في قلوبهم وعظ الرسل وهديهم، بل صار يغريهم بزيادة الكفر والتكذيب وقتل أولئك الهداة الأخيار (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الكفر، في مسألة شناعة وقبح جريمة القتل، وأن قتل الأنبياء أشد شناعة وقبحا، بدلالة الفعل المضارع.

وجه الاستنباط: تصوير القتل بالفعل المضارع مع وقوعه في الماضي أوقع في النعي عليهم والتوبيخ لهم والتشنيع بجريمة القتل التي شنع عليهم في حق غير الأنبياء فكيف بحالها مع الأنبياء، وبيان ما بلغوا فيه من الفساد واتباع الهوى، وفي هذا تحذير بليغ من معصية القتل وأثرها البالغ في الإفساد.

قال الزمخشري: "جيء يقتلون على حكاية لحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها" (٣). وكذا عند البيضاوي (٤).

وقال أبو حيان: "وأتى بفعل القتل مضارعا، إما لكونه حكيت أنه الحال الماضية، إن كانت أريدت فاستحضرت في النفوس، وصور حتى كأنه ملتبس به مشروع فيه، ولما فيه من مناسبة رؤوس الآي التي هي فواصل، وإما لكونه مستقبلا، لأنهم يرومون قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سحروه وسموه" (٥).


(١) زهرة التفاسير (٥/ ٢٢٩٢).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٣٩٨).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٦٣).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ٩٣).
(٥) البحر المحيط في التفسير (١/ ٤٨٣).

<<  <   >  >>