للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وأما الاعتداء على من تبغضونهم فلا يباح لكم وأنتم حل، كما أنه لا يباح لكم وأنتم حرم، وإن كانوا صدوكم عن المسجد الحرام من قبل، وهذا لا يمنع من الجزاء على الاعتداء بالمثل، لأنه نهي عن استئناف الاعتداء على سبيل الانتقام، فإن من يحمله البغض والعداوة على الاعتداء على من يبغضه يكون منتصرا لنفسه لا للحق، وحينئذ لا يراعي المماثلة ولا يقف عند حدود العدل، ولم أر من نبه على هذا ولا من حرر هذا المبحث" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب العدل، في مسألة المؤمن ينتصر للحق بالحق ولا ينتصر لنفسه من ظالمه بغير حق، بدلالة مفهوم المخالفة.

وجه الاستنباط: الآية تأمر بإقامة العدل في المعاملة، حتى وإن كان هو المجني عليه، وأن يخلص نفسه مما قد يعلق فيها من البغض والحقد فتكون حاملة له على الاعتداء على الآخرين بما تثيره هذه المؤثرات في نفسه، بل يجعل الحق واتباع الدليل هو الحكم في معاملاته كلها.

قال الرازي: "قال القفال رحمه الله: هذا معطوف على قوله لا تحلوا شعائر الله إلى قوله ولا آمين البيت الحرام يعني ولا تحملنكم عداوتكم لقوم من أجل أنهم صدوكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا فتمنعوهم عن المسجد الحرام، فإن الباطل لا يجوز أن يعتدى به، وليس للناس أن يعين بعضهم بعضا على العدوان حتى إذا تعدى واحد منهم على الآخر تعدى ذلك الآخر عليه، لكن الجواب أن يعين بعضهم بعضا على ما فيه البر والتقوى، فهذا هو المقصود من الآية" (٢).

وقال الزمخشري: "ومعنى صدهم إياهم عن المسجد الحرام: منع أهل مكة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة، ومعنى الاعتداء: الانتقام منهم بإلحاق مكروه بهم وتعاونوا على البر والتقوى على العفو والإغضاء ولا تعاونوا على الإثم والعدوان على الانتقام والتشفي، ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى وكل إثم وعدوان، فيتناول بعمومه العفو والانتصار" (٣).

وقال ابن عطية: ": فأما من قرأ «شنآن» بفتح النون فالأظهر فيه أنه مصدر كأنه قال لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عدوانا عليهم وظلما لهم، ويحتمل «الشنان» بفتح النون أن يكون وصفا فيجيء المعنى ولا يكسبنكم بغض قوم أو بغضاء قوم عدوانا" (٤)، وكذا البيضاوي، والنسفي، والقرطبي، وابن عاشور (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ١٠٧).
(٢) مفاتيح الغيب (١١/ ٢٨٢).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٠٣).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ١٤٩).
(٥) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١١٤)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٢٥)، الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٤٦)، التحرير والتنوير (٦/ ٨٦)

<<  <   >  >>