للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان: "قرأ أبو بكر على مكاناتكم على الجمع حيث وقع فمن جمع قابل جمع المخاطبين بالجمع ومن أفرد فعلى الجنس والمكانة، مصدر مكن فالميم أصلية وبمعنى المكان، ويقال: المكان والمكانة مفعل ومفعلة من الكون فالميم زائدة فيحتمل أن يكون المعنى على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، قال معناه الزجاج، ويحتمل أن يكون المعنى على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، يقال: على مكانتك يا فلان إذا أمرته أن يثبت على حاله أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه" (١).

[[الجزاء عين العمل نكاية بهم وأن هلاكهم في قولهم وفعلهم]]

قال تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩)} [سورة الأنعام: ١٣٩].

٢٨. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وجعل الجزاء عين العمل قد تكرر في سورة أخرى وقدروا له كلمة جزاء أو ثواب وعقاب بناء على أن العمل هو ما يجازى عليه لا ما يجازى به، ولكن تعبير الكتاب لا يكون إلا لنكتة عالية في البلاغة، وهي عندنا الإيذان بأن الجزاء لما كان أثرا لما يحدثه العمل في النفس من تزكية أو تدسية كان كأنه عين العمل، فإن النفس تنعم أو تعذب بالصفة التي تطبعها فيها الأعمال" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان باليوم الآخر، في مسألة الجزاء عين العمل نكاية بهم، وأن هلاكهم في قولهم وفعلهم، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: اقتضاء الجزاء قائم على العمل، ومن جعل الجزاء عين العمل بناء على أن العمل هو ما يجازى عليه لا ما يجازى به، وذلك لما كان للجزاء أثر في النفس لتتزكى به، ومن هنا كان الجزاء عين العمل والنفس تنعم وتتطبع فيها الأعمال.

وهذا معنى أضافه الشيخ، فإن الجزاء يكون من جنس العمل أي مثله في الوصف مع ما فيه من عقوبة، وأما الجزاء بنفس العمل فهو أن العمل الذي اختاروه وقرروه هو العقوبة التي وقعت عليهم، وهذا نكاية بهم، وبيان أنهم ضالون غارقون، لا يعلمون أن هلاكهم في قولهم وفعلهم.

قال البيضاوي: "سيجزيهم وصفهم أي جزاء وصفهم الكذب على الله سبحانه وتعالى في التحريم والتحليل من قوله: وتصف ألسنتهم الكذب إنه حكيم عليم" (٣)، ومثله النسفي وأبو السعود والشوكاني (٤).


(١) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٥٢ - ٦٥٣).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١١٣).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨٥).
(٤) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٤٢)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم الكريم (٣/ ١٩١)، فتح القدير للشوكاني (٢/ ١٩٠).

<<  <   >  >>