للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استنباطات سورة التوبة]

[[أصل الدين مبني على علم يقيني لا على ظن أو تقليد]]

قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)} [سورة التوبة: ٦]

١. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وتدل الآية على أن الاعتقاد بأصل الدين يجب أن يكون علما يقينيا لا شك فيه ولا احتمال، وإن لم يكن منطقيا، ولا يكتفى فيه بالظن الراجح كالفروع العلمية، ولا بالتقليد؛ لأنه ليس بعلم" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة شروط لا إله إلا الله، في مسألة شرط العلم واليقين، وأنهما أساس الدين وعمادة، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: المقصود من إجارة المشرك هو تحقيق العلم عنده بالدين وأصله، فإن ذلك هو أساس هذا الدين المبني على العلم اليقيني وليس العلم الظني، وقد أكد هذا المعنى خاتمة الآية (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)، وهذا فرق بين الأمور الاعتقادية والأمور الفرعية العلمية، وهذا الاستنباط وإن كان واضح الدلالة النصية إلا أنه جميل في بعده ومعناه.

وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالإجارة هي إعطاؤه الأمان حتى يتسنى له سماع القرآن وما فيه من الحجج والبراهين، فإنهم لم يكونوا يعلمون ما فيه، لذا أمر بالإجارة ومن ثم إقامة الحجة عليه وبعدها ينظر في حاله إن آمن فخير وإن لم يؤمن فأبلغه مأمنه.

ومن ذلك ما قاله ابن جرير: "تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن، وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله" (٢)، ومثله البغوي (٣).

قال ابن عطية: "وقوله سبحانه: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} يعني القرآن، والمعنى ويفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فذكر السماع بالأذان إذ هو الطريق إلى الفهم وقد يجيء السماع في كلام العرب مستعملا بمعنى الفهم كما تقول لمن خاطبته فلم يقبل منك أنت لم تسمع قولي تريد لم تفهمه" (٤)، ومثله ابن كثير (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ١٦٢).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٤/ ١٣٨).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٣١٩).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ٩).
(٥) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٤/ ١١٣).

<<  <   >  >>