للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[النهي عن إتيان النساء في غير المأتى]]

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} [سورة البقرة: ٢٢٢]

٤٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهذا التعبير على لطفه ونزاهته وبلاغته وحسن استعارته تصريح بما فهم من قوله عز وجل: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أو بيان له، فهو يقول: إنه لم يأمر بإتيان النساء الأمر التكويني بما أودع في فطرة كل من الزوجين من الميل إلى الآخر، والأمر التشريعي بما جعل الزواج من أمر وأسباب المثوبة والقربة إلا لأجل حفظ النوع البشري بالاستيلاد، كما يحفظ النبات بالحرث والزرع، فلا تجعلوا استلذاذ المباشرة مقصودا لذاته فتأتوا النساء في المحيض حيث لا استعداد لقبول زراعة الولد وعلى ما في ذلك من الأذى، وهذا يتضمن النهي عن إتيانهن في غير المأتى الذي يتحقق به معنى الحرث" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب مقاصد الشريعة، في مسألة النهي عن إتيان النساء في غير المأتى (وهو الدبر)، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: الأمر بإتيان النساء حيث أمر الله، شرعا وقدرا، يتضمن معنى وحكما يحقق مقصد الشريعة في حفظ النسل، وفي هذا الأمر نهي ضمني عن إتيانهن في غير الموضع المهيأ لهذه المهمة، لأن فيه تعطيلاً للحكمة من الوطء وهي تحقق الولد، وحفظ النسل، وهذا مقصد شرعي يستحق الإشارة إليه والعناية به.

قال ابن عباس (٢): "وطؤوهن في الفرج ولا تعدوه إلى غيره" (٣).

قال ابن جرير: "فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في

حال حيضهن، وذلك الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٨٧).
(٢) أبو العباس عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وإمام التفسير، توفي سنة ٦٨ هـ. سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٨٠)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ١٢٢).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٢٥٩)، مفاتيح الغيب (٦/ ٤٢٠).
(٤) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٣/ ٧٣٥).

<<  <   >  >>