للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[العبودية العامة والعبودية الخاصة وما يتعلق بهما]]

قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)} [سورة آل عمران: ٨٣]

٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الظاهر أن ما يكون منهم من الانقياد لله - تعالى - بمقتضى الفطرة من قسم إسلام الطوع، وأما ما يقع منهم من التكليف بالاختيار فمنه ما يفعل طوعا وما يفعل كرها، وكذا ما يقع بهم منه ما يكونون كارهين له، ومنه ما يكونون راضين به، فإذا كان مرادا في الآية فالطوع فيه بمعنى الرضا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة العبودية العامة والعبودية الخاصة وما يتعلق بهما، بدلالة المفهوم من الآية.

وجه الاستنباط: أن العبودية العامة القهرية لكل المخلوقات، والعبودية الخاصة الاختيارية فهي دين الإسلام، المبني على التكليف ثم التشريف لبني آدم، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرها، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان.

قال ابن جرير: "وتأويل الكلام: يا معشرَ أهل الكتاب (أفغيرَ دين الله تبغون)، يقول: أفغير طاعة الله تلتمسون وتريدون، (وله أسلم من في السماوات والأرض)، يقول: وله خَشع من في السماوات والأرض، فخضع له بالعبودة، وأقرّ له بإفراد الربوبية، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية (طوْعًا وكرهًا)، يقول أسلم لله طائعًا من كان إسلامه منهم له طائعًا، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين، فإنهم أسلموا لله طائعين (وكرهًا)، من كان منهم كارهًا" (٢).

وقال ابن كثير: " فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرها، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم" (٣).

وقال البغوي: "وله أسلم: خضع وانقاد، من في السماوات والأرض طوعا وكرها، فالطوع: الانقياد والاتباع بسهولة، والكره: ما كان بمشقة وإباء من النفس" (٤)، ومثله البيضاوي، ابن عطية، وأبو حيان، والقرطبي (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٢٩٢).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٦/ ٥٦٤).
(٣) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٦٩).
(٤) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٤٦٥).
(٥) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٢٦)، المحرر الوجيز (١/ ٤٦٦)، البحر المحيط (٣/ ٢٤٦)، الجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٢٧).

<<  <   >  >>