للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير: "فتأويل الكلام إذًا: فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلَها، الذين لم يتضرعوا عند أخذِناهم بالبأساء والضراء "تضرعوا"، فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته، فيصرف ربهم عنهم بأسه، وهو عذابه (١).

قال الزمخشري: "جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم فلما نسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء: أى تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الصحة والسعة وصنوف النعمة، ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء، كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى، طلبا لصلاحه حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر، من غير انتداب لشكر ولا تصد لتوبة واعتذار أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون واجمون" (٢).

قال الرازي: "والمعنى: إنما أرسلنا الرسل إليهم وإنما سلطنا البأساء والضراء عليهم لأجل أن يتضرعوا، ومعنى التضرع التخشع وهو عبارة عن الانقياد وترك التمرد، وأصله من الضراعة وهي الذلة، يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة فهو ضارع أي ذليل ضعيف، والمعنى أنه تعالى أعلم نبيه أنه قد أرسل قبله إلى أقوام بلغوا في القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، والمقصود منه التسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- " (٣).

قال القرطبي: "وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب، ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع من لم يخلص، أو تضرعوا حين لابسهم العذاب، والتضرع على هذه الوجوه غير نافع، والدعاء مأمور به حال الرخاء والشدة " (٤)، وبنحوه قال أبو حيان، وأبو السعود، والشوكاني (٥).

[[الظلم أعظم الذنوب وسبب إهلاك الظالمين]]

قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)} [سورة الأنعام: ٤٥].

١٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ووضع المظهر الموصوف بالموصول موضع المضمر؛ للإشعار بعلة الإهلاك وسببه وهو الظلم، ولا بد من زهوق الباطل فظهور الحق" (٦).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١١/ ٣٥٦).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٣).
(٣) مفاتيح الغيب (١٢/ ٥٣٣).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٤٢٥).
(٥) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٥١٤)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٣٣)، فتح القدير (٢/ ١٣٢).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٣٤٨).

<<  <   >  >>