للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعضهم قصره على القرآن ولم يذكر التنصيص على بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأبي السعود فقال: " {إن هو} أي ما القرآن {إلا ذكرى للعالمين} أي عظة وتذكير لهم كافة من جهته سبحانه فلا يختص بقوم دون آخرين" (١).

وكذا قال الشوكاني: "قوله: قل لا أسئلكم عليه أجرا أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجرا على القرآن، وأن يقول لهم: ما هو إلا ذكرى يعني القرآن للعالمين أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد" (٢)، وكذا ابن عاشور، وأبو زهرة (٣).

[التفسير الموضوعي ينمّي ملكة التفسير والتأمل والتفكر في آيات الله]

قال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)} [سورة الأنعام: ٩٦]

١٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ويدل على ذلك ذكر الآية الثانية بفائدتها، وهي آية الليل يجعله الله سكنا، فهذا المذكور يدل على مقابلة المحذوف، وهو جعل النهار وقتا للحركة بالسعي للمعاش، والعمل الصالح للمعاد، وقد صرح بنوعي الفائدتين في آيات كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة القصص: ٧٣] فهذه الآية على إيجازها جامعة للفوائد الدنيوية والدينية، وفيها اللف والنشر، أي لتسكنوا في الليل وتطلبوا الرزق من فضل الله في النهار، وليعدكم لشكر نعمه عليكم بهما، وبمنافعكم في كل منهما، ومن الآيات المصرحة بذكرهما ما قرن بالتذكير بفائدتهما الدنيوية فقط كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [سورة النبأ: ١٠ - ١١]، ومنها ما قرن بالتذكير بفائدتهما الدينية فقط كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)} [سورة الفرقان: ٦٢]، فيا لله من إيجاز القرآن وبلاغته، في اختلاف عبارته! " (٤).


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٦٠).
(٢) فتح القدير (٢/ ١٥٧).
(٣) التحرير والتنوير (٧/ ٣٦١)، زهرة التفاسير (٥/ ٢٥٨٤).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٥٢٨).

<<  <   >  >>