للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن سعدي: "قال تعالى منكرا على المشركين، الذين ابتدعوا تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} يعني أنواع الحيوانات المحللة، التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم، {فجعلتم منه حراما وحلالا} قل لهم - موبخا على هذا القول الفاسد-: {آلله أذن لكم أم على الله تفترون} ومن المعلوم أن الله لم يأذن لهم، فعلم أنهم مفترون" (١).

[[إحاطة علم الله بكل صغيرة وكبيرة]]

قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)} [سورة يونس: ٦١]

٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "قدم ذكر الأصغر لأنه هو الأهم في سياق العلم بالخفي، وعطف عليه الأكبر لإفادة الإحاطة وكون الأكبر لا يكبر عليه كما أن الأصغر لا يعزب عنه {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة يونس: ٦١] أي إلا وهو معلوم ومحصي عنده ومرقوم في كتاب عظيم الشأن تام البيان" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الأسماء والصفات، في مسألة إحاطة علم الله بكل صغيرة وكبيرة، بدلالة التقديم والتأخير.

وجه الاستنباط: تقديم الأصغر وعطف الأكبر عليه أفاد إحاطة الله بكل شيء صغيره وكبيره، لا يغيب عن علمه أدق شيء، فكل ما في الكون خاضع لرقابته محفوظ برعايته.

قال ابن عطية: "ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل، وتقديم «الأصغر» في الترتيب جرى على قولهم: القمرين والعمرين، ومنه قوله تعالى: {لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} [الكهف: ٤٩]، والقصد بذلك تنبيه، الأقل وأن الحكم المقصود إذا وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم، وأَلا استفتاح وتنبيه، وأَوْلِياءَ اللَّهِ هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله" (٣).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٦٧).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١١/ ٣٤٠).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ١٢٨).

<<  <   >  >>