للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السيوطي: "استدل به نفاة القياس، وفيه دليل على أنه لا حكم للعقل استقلالا، وأما مع الوحي فله عمل في مجالات واسعة وهذا في أمور الدين خلافا للمعتزلة الذين يجعلون للعقل حكما مستقلا" (١).

قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قل) يا محمد لهؤلاء المشركين: (أرأيتم) أيها الناس (ما أنزل الله لكم من رزق)، يقول: ما خلق الله لكم من الرزق فخَوَّلكموه، وذلك ما تتغذون به من الأطعمة (فجعلتم منه حرامًا وحلالا)، يقول: فحللتم بعضَ ذلك لأنفسكم، وحرمتم بعضه عليها، وذلك كتحريمهم ما كانوا يحرِّمونه من حُروثهم التي كانوا يجعلونها لأوثانهم، كما وصفهم الله به فقال: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا) [سورة الأنعام: ١٣٦]، ومن الأنعام ما كانوا يحرّمونه بالتبحير والتسيبب ونحو ذلك، مما قدّمناه فيما مضى من كتابنا هذا، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد (آلله أذن لكم) بأن تحرِّموا ما حرَّمتم منه (أم على الله تفترون)، أي تقولون الباطل وتكذبون؟ " (٢)، وبنحوه قال البغوي (٣).

قال الزمخشري: "والمعنى: أخبرونى الله أذن لكم في التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه، ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار، وأم منقطعة بمعنى: بل أتفترون على الله، تقريرا للافتراء، وكفى بهذه الآية زاجرة زجرا بليغا عن التجوز فيما يُسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وألا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله يوم القيامة منصوب بالظن" (٤).

قال الرازي: "لما ذكر الدلائل الكثيرة على صحة نبوة نفسه وبين فساد سؤالاتهم وشبهاتهم في إنكارها، أتبع ذلك ببيان فساد طريقتهم في شرائعهم وأحكامهم وبين أن التمييز بين هذه الأشياء بالحل والحرمة، مع أنه لم يشهد بذلك لا عقل ولا نقل طريق باطل ومنهج فاسد، والمقصود إبطال مذاهب القوم في أديانهم وفي أحكامهم، وأنهم ليسوا على شيء في باب من الأبواب" (٥).


(١) الإكليل في استنباط التنزيل (٢/ ٨٤٨).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٥/ ١١١).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٤٢٣).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٣٥٤).
(٥) مفاتيح الغيب (١٧/ ٢٧١).

<<  <   >  >>