للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[صراع النفس والاستجابة لدواعي المعصية أو دواعي الطاعة]]

قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠)} [سورة المائدة: ٣٠]

٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن هذه الكلمة تدل على تدريج وتكرار في حمل الفطرة على طاعة الحسد الداعي إلى القتل، فولد آدم الذي زين له حسده لأخيه قتله، وهو بين إقدام وإحجام، يفكر في كل كلمة من كلمات أخيه الحكمية، فيجد في كل منها صارفا له عن الجريمة، يدعم ويؤيد ما في الفطرة من صوارف العقل والقرابة والهيبة، فكر الحسد من نفسه الأمارة على كل صارف في نفسه اللوامة، فلا يزالان يتنازعان ويتجاذبان حتى يغلب الحسد كلا منها ويجذبه إلى الطاعة، فإطاعة صوارف الفطرة وصوارف الموعظة لداعي الحسد هو التطوع الذي عناه الله تعالى" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السلوك، في مسألة صراع النفس والاستجابة لدواعي المعصية أو دواعي الطاعة، بدلالة الألفاظ.

وجه الاستنباط: لفظة (طوعت) حملت معنى مغايرا ومتباينا عن معاني الكلمات المرادفة لها التي استرسل المفسرون في ذكرها مثل: (شجعت، ووسعت، وسهلت، وزينت، ونحوها من الألفاظ) (٢)، فلم يحدث ما ترتب على معنى هذه الكلمة إلا بعد مراحل من المنازعات النفسية، وبعد صراع كبير بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة، والذي انتهى بغلبة النفس الأمارة بالسوء، وهكذا في مواقف أخرى قد ينتهي الصراع بغلبة داعي الإيمان والخير والنفس اللوامة، فيسلم صاحبها من عواقب الأمور، وهذا كله يؤكد حقيقة الصراع بين دواعي المعصية والحسد، وبين دواعي الطاعة والفطرة.

وكذا في لسان العرب (٣)، وإن كان كل منها يشير إلى حاصل المعنى في الجملة، والتي لا زالت كلمة طوعت تحمل معنى أعمق وأوسع منها، إذ كان من معناها التدرج والتكرار، وما لذلك من أثر نفسي في القاتل، وتصارع في نفسه بين أمر النفس اللوامة التي تأمره بالفطرة والعقل والقرابة، وبين أمر النفس الأمارة التي تصرفه عن الحق بداعي الحسد.


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٨٥).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن ت شاكر (١٠/ ٢٢٠)، معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٤٠)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٢٦)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٢٤)، الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٣٨).
(٣) لسان العرب (٨/ ٢٤١).

<<  <   >  >>