للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشيخ محمد رشيد رضا من أعلام الإصلاح الاجتماعي، وقد أصّل في تفسيره لمبادئ هذا العلم الذي كان في طور التكوين واستخلاص القواعد فيه.

ومن تلك الاستنباطات:

ـ مسألة تنازع البقاء بين المتقابلات: عند قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [سورة الأنعام: ١١٢]، قال: "وحكمة عداوة الأشرار للأخيار هي ما يعبر عنه في عرف علماء الاجتماع البشري بسنة تنازع البقاء بين المتقابلات التي تفضي بالجهاد والتمحيص إلى ما يسمونه (سنة الانتخاب الطبيعي) أي انتصار الحق وبقاء الأمثل" (١).

ـ مسألة العدل في المعاملات، وأنها من أركان الإصلاح الاجتماعي: عند قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام: ١٦٤]، قال: "هي قاعدة من أصول دين الله تعالى الذي بعث به جميع رسله كما قال في سورة النجم: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [سورة النجم: ٣٦ - ٣٩]، وهي من أعظم أركان الإصلاح للبشر في أفرادهم وجماعاتهم، لأنها هادمة لأساس الوثنية، وهادية للبشر إلى ما تتوقف عليه سعادتهم الدنيوية والأخروية" (٢).

ـ وعند قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [سورة الأنعام: ١٦٥]، قال: "هذه الآية مبينة لبعض أحوال البشر التي نعبر عنها في عرف هذا العصر بالسنن الاجتماعية" (٣)، ثم قال: "فهذه الهداية الاجتماعية مقررة لعقيدة التوحيد وهادمة لقواعد الشرك التي اعتادها الناس".

ـ انفرد رحمه الله بالاستدلال بآية على قاعدة اجتماعية: عند قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [سورة هود: ١١٦]، قال: "ونقول: لأن الأحياء يهلك منهم الأضعف فالأضعف أولا، ويبقى الأقوى فالأقوى، ومن هذا ما يعرف في علم الاجتماع بسنة الانتخاب الطبيعي، وهو إفضاء تنازع الأحياء إلى بقاء الأمثل والأصلح" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٦).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢١٧).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢٢٠).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٥٨).

<<  <   >  >>