للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البغوي: "إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ورضيتم به فأنتم كفار مثلهم، وإن خاضوا في حديث غيره فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة، وقال الحسن: لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره" (١).

قال الرازي: "قال أهل العلم: هذا يدل على أن من رضي بالكفر فهو كافر، ومن رضي بمنكر يراه وخالط أهله وإن لم يباشر كان في الإثم بمنزلة المباشر بدليل أنه تعالى ذكر لفظ المثل هاهنا، هذا إذا كان الجالس راضيا بذلك الجلوس، فأما إذا كان ساخطا لقولهم وإنما جلس على سبيل التقية والخوف فالأمر ليس كذلك، ولهذه الدقيقة قلنا بأن المنافقين الذين كانوا يجالسون اليهود، وكانوا يطعنون في القرآن والرسول كانوا كافرين مثل أولئك اليهود، والمسلمون الذين كانوا بالمدينة كانوا بمكة يجالسون الكفار الذين كانوا يطعنون في القرآن فإنهم كانوا باقين على الإيمان، والفرق أن المنافقين كانوا يجالسون اليهود مع الاختيار، والمسلمين كانوا يجالسون الكفار عند الضرورة" (٢)، ومثله الزمخشري والنسفي (٣)

قال القرطبي: "فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم). فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية" (٤)، وكذا البيضاوي، وابن كثير، وابن سعدي وأبو زهرة (٥).

[[وصف النار للتحذير من الأسباب المؤدية إليها]]

قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)} [سورة النساء: ١٤٥]

٢٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "دل هذا على أن دار العذاب في الآخرة ذات دركات بعضها أسفل بعض، كما أن دار النعيم درجات بعضها أعلى من بعض، نسأل الله أن يجعلنا مع المقربين من أهلها فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى" (٦).


(١) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٧١٤).
(٢) مفاتيح الغيب (١١/ ٢٤٧).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٥٧٨)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٠٦).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤١٨).
(٥) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٠٤)، تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٤٣٥)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢١٠)، زهرة التفاسير (٤/ ١٩١١).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٣٨٤).

<<  <   >  >>