للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشار ابن جرير إلى معنى آخر، فقال: "اختلف المفسرون في تأويلها؛ فقال بعضهم: زكاة أموالهم، وقال آخرون: هي نفقة الرجل على أهله وهذا قبل أن تنزل الزكاة، ثم قال: وأولى التأويلات بالآية وأحقها بصفة القوم: أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدّين، زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك" (١)، وممن قال بذلك البغوي (٢)، وابن كثير، والقرطبي (٣) وغيرهم.

[[عدم انتفاع الكافرين بهداية القرآن]]

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)} [سورة البقرة: ٦]

٢. قال الشيخ محمد -رحمه الله-: "هذا بيان لحال القسم الثاني من أقسام الناس تجاه هداية القرآن، وقد قطعه وفصله مما قبله، فلم يعطفه عليه للإشارة إلى ما بينهما من طول شقة الانفصال وعدم المشاركة في شيء ما، بخلاف القسم الثالث الآتي، فإن لهم حظا منه في الدنيا ولمن يتوب منهم حظ في الآخرة أيضا" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا بلاغيا، في مسألة قطع الكلام، من تركيب لفظ الآية، بدلالة ترك العطف بسبب التباين، في مسألة عدم انتفاع الكافرين بهداية القرآن.

وجه الاستنباط: سبب عدم عطف هذه الآية على ما قبلها هو التباين وعدم وجود قواسم مشتركة بين صفات هؤلاء المشركين وبين المؤمنين، وذلك أن الكفر رسخَ في قلوبهم ولم يكن للإيمان إليها سبيلا، وأما من بعدهم فهم المنافقون، وهم قسم آخر غير الصنفين المذكورين في أول السورة، وقد أشار إلى ذلك الشيخ محمد عبده فقال: "هاتان الآيتان بيّنتا حال طائفة ثانية من الناس، وهم الكافرون" (٥)، فهذا التقسيم يدل على الفصل ويوجبه لكمال الانقطاع، فإن "الكلام قطع عما قبله، لأنه كلام في شأن الذين كفروا، وما قبله كلام في شأن القرآن" (٦)، وهذا المعنى هو ما عبر عنه عدد من المفسرين بالتضاد وأن سببه كمال الانقطاع الموجب عدم العطف بين الجمل (٧).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن (١/ ٢٤٤).
(٢) الإمام الفقيه الحافظ المجتهد أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء الشافعي، يلقب بمحيي السنة، وركن الدين، كان إماما في التفسير، وفي الحديث، وفي الفقه، وهو صاحب معالم التنزيل وشرح السنة والتهذيب والمصابيح، توفي سنة ٥١٦ هـ، طبقات المفسرين للسيوطي (ص: ٥٠)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: ٤٥٧)، طبقات المفسرين للداوودي (١/ ١٦١).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٦٣)، تفسير القرآن العظيم (١/ ١٦٨)، الجامع لأحكام القرآن (١/ ١٧٩).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١١٧).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١١٧).
(٦) الإيضاح في علوم البلاغة (ص: ١٥٨).
(٧) البرهان في علوم القرآن (١/ ٤٩، -٤/ ١٠٦)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٤٦)، روح المعانى (١/ ١٢٨)، التحرير والتنوير (١/ ٢٥٦ - ٢٤٤).

<<  <   >  >>