للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستنباط: دلت الآية على أن الحقوق بين الزوجين ثابتة بنصوص الكتاب والسنة، وما عداها فإنه يؤخذ مما تعارف عليه الناس في كل زمان، لتتحقق لهم السعادة، وهذا ما يعبر عنه عند العلماء بحجية العرف في الأحكام وأنه أصل من أصول الأحكام في الإسلام، لأن هناك من الأمور المتعارف عليها ما تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وعليها تبنى الأحكام الخاصة بها، والحقوق الزوجية مما يختلف فيها فيرجع إلى العرف.

فالعرف معمول به في الشريعة إذا لم يرد في الشرع تحديد لحكم ما، أو تفسير لحكم ما، بكلام الله تعالى ورسوله، فما جرى به العرف وعمل به الناس ما لم يخالف الشرع فهو محكّمٌ وهذا معنى قول الفقهاء العادة محكمة يعني معمول بها، فإذا نص الشارع على حكم وعلق به شيئاً فإن نص على حده وتفسيره رجعنا إليه، فهناك أمور محدودة كالزكاة مثلاً وأنصبتها هذا كله محدود في الشرع، وأما الذي لم يحد في النص، فإنه يرجع فيه إلى العرف الجاري (١).

قال الشيخ ابن عثيمين: "ومن فوائد الآية: اعتبار العرف بين الناس؛ لقوله تعالى: {بالمعروف}؛ وهذا ما لم يخالف الشرع؛ فإن خالفه رد إلى الشرع" (٢).

وهذا مما تفرد به الشيخ، حيث لم أجد أحداً أشار إليه فيما اطلعت عليه.

[[اعتبار العلة في بيان حق المطلقة في إرضاع ولدها]]

قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)} [سورة البقرة: ٢٣٣]

٤٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهنا وجه (رابع) لترجيح هذا القول ظهر لي الآن؛ وهو تعليل الحكم بالنهي عن المضارة بالولد، وإنما تضار بذلك المطلقة دون التي في العصمة، فبين أن للمطلقة الحق في إرضاع ولدها كسائر الوالدات، وأنه ليس للمطلق منعها منه وهو عرضة لهذا المنع" (٣).


(١) شرح القواعد الفقهية (٤)، الشيخ عبد الرحمن السعدي، شرح الشيخ محمد النجدي.
(٢) تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (٣/ ١٤٩).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٢٤).

<<  <   >  >>