للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[هلاك الأمم وخلافتهم لبعض وتمييز الله لهم بالنعم سنن مقررة للتوحيد وهادمة لقواعد الشرك]]

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)} [سورة الأنعام: ١٦٥]

٣٤. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "هذه الآية مبينة لبعض أحوال البشر التي نعبر عنها في عرف هذا العصر بالسنن الاجتماعية"، وزاد: "فهذه الهداية الاجتماعية مقررة لعقيدة التوحيد وهادمة لقواعد الشرك التي اعتادها الناس" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة سنن الله الكونية، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: من دلائل قدرة الله الكونية وسننه، إهلاكه للأمم السابقة وإحلاله فئات من الناس خلفا وخلقا جديدا، وتمييزهم بالنعم للابتلاء والتمحيص.

وأشار رحمه الله إلى دلالة التوحيد على قواعد علم الاجتماع، وأن هذا مبني على قاعدة توحيد الله وهادم للشرك بكل صوره، فهذه الهداية الاجتماعية مقررة لعقيدة التوحيد وهادمة لقواعد الشرك، التي هي عبارة عن اتكال الناس واعتمادهم على ما اتخذوا بينهم وبين ربهم من الوسطاء ليقربوهم إليه ويشفعوا لهم عنده فيما يطلبون من نفع ودفع ضر كما تقدم شرحه; ولهذا ترى هؤلاء المشركين من حيث يشعرون أو لا يشعرون أشقى الناس وأبعدهم عن نيل مآربهم، وترى خصومهم دائما ظافرين بهم" (٢).

وهذا مما تفرد به رحمه الله فيما وقفت عليه، حيث أن جل المفسرين بينوا المعنى العام لمعنى الاستخلاف، كما قال ابن جرير: "قال تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، (خلائفَ الأرض)، بأن أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم، فجعلكم خلائف منهم في الأرض، تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم" (٣)، ومثله البغوي (٤).

وقال الزمخشري: "جعلكم خلائف الأرض لأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين فحلفت أمته سائر الأمم. أو جعلهم يخلف بعضهم بعضا. أو هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها ورفع بعضكم فوق بعض درجات في الشرف والرزق ليبلوكم في ما آتاكم من نعمة المال والجاه، كيف تشكرون تلك النعمة، وكيف يصنع الشريف بالوضيع، والحر بالعبد، والغنى بالفقير إن ربك سريع العقاب لمن كفر نعمته وإنه لغفور رحيم لمن قام يشكرها" (٥)، ومثله الرازي، والبيضاوي، والنسفي، والقرطبي (٦) وغيرهم.


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢٢٠).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢٢١).
(٣) جامع البيان ت شاكر (١٢/ ٢٨٧).
(٤) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١٧٩).
(٥) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٨٤).
(٦) مفاتيح الغيب (١٤/ ١٩٢)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٩٢)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٥٣)، الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٥٨).

<<  <   >  >>