٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ويظهر لي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أمر بقتل المرتد إلا لتخويف أولئك الذين كانوا يدبرون المكايد لإرجاع الناس عن الإسلام بالتشكيك فيه؛ لأن مثل هذه المكايد إذا لم يكن لها أثر في نفوس الأقوياء من الصحابة الذين عرفوا الحق ووصلوا فيه إلى عين اليقين، فإنها قد تخدع الضعفاء الذين يدخلون في الإسلام لتفضيله على الوثنية في الجملة قبل أن تطمئن قلوبهم بالإيمان، كالذين كانوا يعرفون بالمؤلفة قلوبهم؛ وبهذا يتفق الحديث الآمر بذلك مع الآيات النافية للإكراه في الدين والمنكرة له - فيما أرى - وقد أفتيت بذلك كما يظهر لي والله أعلم"(١).
[الدراسة]
استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الحدود، في مسألة مقصد الشريعة من حكم قتل المرتد، وذلك بدلالة الجمع بين مفهوم الآية وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وجه الاستنباط: بين الشيخ أن فعل اليهود ودخولهم في الإسلام وجه النهار والكفر آخره له مقصد خبيث وغاية خطيرة وهي صرف ضعفاء الناس عن الإسلام وردتهم عنه، ثم حصر الشيخ محمد رشيد حكم قتل المرتدين في تلك الفترة لصد هذه الغاية الخبيثة، ولحماية هذا الدين وحفظه، وحماية للمجتع، لأن التهاون في إقامة هذه الأحكام تعرض الجميع للخطر، وذلك أن المرتد لا يلبث أن يغرر بغيره ويزين لهم الكفر، وخاصة الضعفاء والبسطاء من الناس، مما يشكل خطرا على الأمة بأسرها، فتتحول فيما بعد إلى حروب تأكل الأخضر واليابس.
وهذا المعنى لم يشر إليه أحد من المفسرين، إلا أن ما ذهب إليه الشيخ محمد رشيد في حصر مقصد قتل المرتد في هذه الحكمة وإن كانت مقصدا شرعيا معتبرا، إلا أنه خالف النصوص الشرعية في حكم قتل المرتد والمقاصد المعتبرة في تلك النصوص في كلام العلماء.
فقَتلُ المُرْتَدِّ عن دِينه، المُفارِقِ لجماعة المسلمين هو حُكْمُ الله ورسوله، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ))؛ وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ … )) وذكر منها: ((التَّارِكُ لدِينه، المُفارِقُ للجماعة)).