للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الفتن، في مسألة فتنة الشبهات، وأثرها على عقيدة المسلم، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الآية أشارت إلى أثر الشبه على عقيدة الإنسان، وكيف أن الشُبه في الدين توقع أثراً في النفوس، ولذا يستغلها الكفار وأهل الكتاب للتشكيك وزعزعة المسلمين، وأن الباعث لهذا الحسد والحقد لا النصح، وأن هذا السلوك واضح وظاهر في أهل الكتاب، وأنهم يبذلون جهدهم في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، وذلك أن المحق لا يبعد عن الحق إلا بشبهة.

قال ابن القيم: "والفتنة نوعان: فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة وقلة العلم" (١).

قال الرازي: "قوله: من عند أنفسهم فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق ب «ود» على معنى أنهم أحبوا أن ترتدوا عن دينكم، وتمنيهم ذلك من قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق، لأنهم ودوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق فكيف يكون تمنيهم من قبل طلب الحق؟ الثاني: أنه متعلق ب (حسدا) أي حسدا عظيما منبعثا من عند أنفسهم" (٢)، ومثله البيضاوي، والشوكاني، وابن سعدي (٣).

قال ابن عاشور: "مناسبة الآية لما قبله أن ما تقدم إخبار عن حسد أهل الكتاب وخاصة اليهود منهم، وآخرتها شبهة النسخ، فجيء في هذه الآية بتصريح بمفهوم قوله {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: ١٠٥] الآية لأنهم إذا لم يودوا مجيء هذا الدين الذي اتبعه المسلمون فهم يودون بقاء من أسلم على كفره ويودون أن يرجع بعد إسلامه إلى الكفر" (٤)، ومثله السمعاني (٥).

[[تقرير قاعدة: إقامة الدليل على الدعوى]]

قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)} [سورة البقرة: ١١١].

١٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "طالبهم - تعالى - بالبرهان على دعواهم، فقرر لنا قاعدة لا توجد في غير القرآن من الكتب السماوية، وهي أنه لا يقبل من أحد قولٌ لا دليل عليه، ولا يحكم لأحد بدعوى ينتحلها بغير برهان يؤيدها، ذلك أن الأمم التي خوطبت بالكتب السالفة لم تكن مستعدة لاستقلال الفكر ومعرفة الأمور بأدلتها وبراهينها؛ ولذلك اكتفى منهم بتقليد الأنبياء فيما يبلغونهم وإن لم يعرفوا برهانه، فهم مكلفون أن يفعلوا ما يؤمرون" (٦).


(١) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ١٦٥).
(٢) مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (٣/ ٦٥١).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ١٠٠)، فتح القدير للشوكاني (١/ ١٤٩)، تفسير السعدي (١/ ١٣٤).
(٤) التحرير والتنوير (١/ ٦٥١).
(٥) تفسير السمعاني (١/ ١٢٥).
(٦) تفسير المنار (١/ ٣٥٠).

<<  <   >  >>