للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الزمخشري: "فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك ثم أنتم تمترون استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم" (١)، ومثله الرازي والبيضاوي والنسفي (٢).

وقال أبو السعود: "وكلمة ثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية القاضية ببطلانه لا بعد بيانه بالآيات التنويلية والموصول عبارة عن طائفة الكفار جار مجرى الاسم لهام من غير أن يجعل كفرهم بما يجب أن يؤمن به كلا أو بعضا عنوانا للموضوع فإن ذلك مخل باستبعاد ما أسند إليهم من الإشراك" (٣)، ومثله الشوكاني (٤)، وممن قال بالاستبعاد، القاسمي وابن عاشور وأبو زهرة (٥).

وخالف في هذا ابن حيان فقال: "وهذا الاستبعاد لا يستفاد من العطف بثم، وإنما يستفاد من مجيء هذه الجمل ووقوعها بعد ما تقدم مما لا يقتضي وقوعها، ولأن صدور هذا الخارق العظيم الخارج عن مقدار البشر، فيه من الاعتبار والعظات ما يقتضي لين القلوب والإنابة إلى الله" (٦).

[[الدعوة إلى إعمال العقل في إثبات التوحيد]]

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)} [سورة الأنعام: ٢]

٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "هذا كلام مستأنف جاء على الالتفات عن وصف الخالق تعالى بما دل على حمده وتوحيده إلى خطاب المشركين الذين عدلوا به غيره في العبادة، يذكرهم به بما هو ألصق بهم من دلائل التوحيد والبعث، وهو خلقهم من الطين" (٧).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة الدعوة إلى إعمال العقل في إثبات التوحيد، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: استمر الخطاب العقلي للمشركين، وتوجيه الخطاب إليهم، استنكارا واستغرابا لما فعلوه من الشرك والعدل بالله، فإن العقل لا يدل ولا يشير إلى شركهم من قريب أو بعيد، وهذا أقوى تأثيرا، وتوبيخا، وتشنيعا لهم، وادعى للنظر في دلائل التوحيد والبعث.


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٤).
(٢) مفاتيح الغيب (١٢/ ٤٧٩)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٥٣)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٩٠).
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٠٥).
(٤) فتح القدير (٢/ ١١٣).
(٥) محاسن التأويل (٤/ ٣١٢)، التحرير والتنوير (٧/ ١٢٨)، زهرة التفاسير (٥/ ٢٤٣٢).
(٦) البحر المحيط في التفسير (١/ ٤٢٢).
(٧) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>