للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب النفاق، في مسألة الفرق بين الطعن في أمور الرسالة والطعن في أمور العادات في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: اللمز والهمز على النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلزم الطعن في نبوته، وفرق بين إيذائه فيما يتعلق بصفة الرسالة، وما يتعلق بالعادات والشئون البشرية، فالأول كفر، لأنه طعن في أصل الدين، وهو ما عناه المنافقون في طعنهم في هذه الآية، والثاني حرام لا كفر، فقد يقع من غير طعن في الدين، كما حدث ممن طعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يعدل.

قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه (ويقولون هو أذن) سامعةٌ، يسمع من كل أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه" (١)، ومثله البغوي، وابن كثير، والزمخشري، والرازي، والبيضاوي، والقرطبي (٢)، وغيرهم، فقد ذكروا تفسير هذه اللفظة، ولم يتطرقوا إلى معنى الكفر في إيذائه -صلى الله عليه وسلم- وأن هذا النوع كفر برسالته -صلى الله عليه وسلم-.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لقد أكثر الله في سورة براءة من صفات المنافقين، ولهذا سميت هذه السورة: الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين، وتسمى المبعثرة؛ لأنها بعثرتهم، فلم تزل تذكر: ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم حتى خاف المنافقون أن يسموا بأعيانهم، وذكر منها هذه الآية" (٣)، ثم قال: "فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً، ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها" (٤).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٤/ ٣٢٤).
(٢) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٣٦٤)، تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٤/ ١٧٠)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٨٤)، مفاتيح الغيب (١٦/ ٩٠)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ٨٦)، الجامع لأحكام القرآن (٨/ ١٩٢).
(٣) شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية، الراجحي (٦/ ٦).
(٤) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: ٢٧).

<<  <   >  >>