للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة التحذير من مخالفة أمر الله والحث على الثبات على شرعه، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: في الآية تحذير من مخالفة أمر الله، والموت على ما لا يرضاه، وترغيب في المحافظة على أوامر الله بإقامة شرعه والثبات عليها في حال الصحة والسقم، فلا يرتضي عنه بديلا، لأن المرء يموت على ما عاش عليه، وهذا أسلوب تربوي ينبغي أن يربى عليه أبناء المسلمين، فيحافظون على الدين والأخلاق الفاضلة ويموتون عليها، وأن يحذروا من البدع والخرافات والأهواء فإنهم إن عاشوا عليها ماتوا عليها.

قال ابن كثير: "قوله: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي: حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذا بالله من خلاف ذلك" (١).

قال ابن عطية: "دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه، هكذا هو وجه الأمر في المعنى، وجاءت العبارة على هذا النظم الرائق الوجيز، ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم: لا أرينك هاهنا، وإنما المراد: لا تكن هاهنا فتكون رؤيتي لك، ومُسْلِمُونَ في هذه الآية، هو المعنى الجامع التصديق والأعمال، وهو الدين عند الله وهو الذي بني على خمس" (٢).

قال الزمخشري: "ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت" (٣)، ومثله البيضاوي، وأبو حيان (٤)

قال الرازي: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فلفظ النهي واقع على الموت، لكن المقصود الأمر بالإقامة على الإسلام، وذلك لأنه لما كان يمكنهم الثبات على الإسلام حتى إذا أتاهم الموت أتاهم وهم على الإسلام، صار الموت على الإسلام بمنزلة ما قد دخل في إمكانهم" (٥).

قال ابن عاشور: "فالنهي عن الموت على غير الإسلام يستلزم النهي عن مفارقة الإسلام في سائر أحيان الحياة، ولو كان المراد به معناه الأصلي" (٦).


(١) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٨٧)
(٢) المحرر الوجيز (١/ ٤٨٣).
(٣) الكشاف عن غوامض التنزيل (١/ ٣٩٤).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٣١)، البحر المحيط (٣/ ٢٨٥).
(٥) مفاتيح الغيب (٨/ ٣١١).
(٦) التحرير والتنوير (٤/ ٣١).

<<  <   >  >>