للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزاد الألوسي: "والأمر يحتمل أن يكون للإباحة (كاصطادوا) وأن يكون للوجوب كما أن النهي فيما بعد للتحريم وإيثاره على (اسكنا) للتنبيه على أنه عليه السلام المقصد بالحكم في جميع الأوامر وهي تبع له كما أنها في الخلقة كذلك" (١).

[[عدم اجتناب ما نهى الله عنه يورث إلفه وحبه والتعلق به]]

قال تعالى: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)} [سورة الأعراف: ١٩]

٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "عند قوله: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، النهي عن قرب الشيء أبلغ من النهي عنه كما بيناه في تفسير: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) [سورة البقرة: ١٨٧]، فهو يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغري به وتفضي إليه ورعا واحتياطا" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب صيغ النهي، في مسألة عدم اجتناب ما نهى الله عنه يورث إلفه وحبه والتعلق به، بدلالة صيغة المبالغة.

وجه الاستنباط: دل النهي عن الاقتراب من المنهي عنه على المبالغة في تحريم الأكل، ووجوب اجتناب ما نهى الله عنه، وأن هذا القرب قد يفضي إلى الألفة والمحبة والإعتياد، فيجر إلى الانسياق في الشبهات، فمن باب سد الذرائع نهى عن مجرد الاقتراب فما بالك بالوقوع في الأمر المنهي عنه.

قال ابن عطية: "قوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ معناه لا تقرباها بأكل، لأن الإباحة فيه وقعت. قال بعض الحذاق: «إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظة تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب»، قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا مثال بين في سد الذرائع" (٣)، ومثله ابن عاشور (٤)، ونقل قول ابن عطية القرطبي (٥)، وزاد البيضاوي فقال: "فينبغي أن لا يحوما حول ما حرم الله عليهما مخافة أن يقعا فيه، وجعله سببا لأن يكونا من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي، أو بنقص حظهما بالإتيان بما يخل بالكرامة والنعيم" (٦).


(١) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٢٣٤).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٠٨).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ١٢٧).
(٤) التحرير والتنوير (١/ ٤٣٢).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (١/ ٣٠٤).
(٦) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ٧٢).

<<  <   >  >>