للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرازي: "قوله: (ولا تقربا هذه الشجرة) يفيد بفحواه النهي عن الأكل، وهذا ضعيف لأن النهي عن القرب لا يفيد النهي عن الأكل إذ ربما كان الصلاح في ترك قربها مع أنه لو حمل إليه لجاز له أكله، بل هذا الظاهر يتناول النهي عن القرب، وأما النهي عن الأكل فإنما عرف بدلائل أخرى، وهي قوله تعالى في غير هذا الموضع: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) [الأعراف: ٢٢] ولأنه صدر الكلام في باب الإباحة بالأكل فقال: (وكلا منها رغدا حيث شئتما) فصار ذلك كالدلالة على أنه تعالى نهاهما عن أكل ثمرة تلك الشجرة لكن النهي عن ذلك بهذا القول يعم الأكل وسائر الانتفاعات ولو نص على الأكل ما كان يعم كل ذلك ففيه مزيد فائدة" (١).

قال الألوسي: " (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ظاهر هذا النهي التحريم، والمنهي عنه الأكل من الشجرة، إلا أنه سبحانه نهى عن قربانها مبالغة، ولهذا جعل جل شأنه العصيان المرتب على الأكل مرتبا عليه، وعدل عن فتأثما إلى التعبير بالظلم الذي يطلق على الكبائر، ولم يكتف بأن يقول: ظالمين، بل قال: مِنَ الظَّالِمِينَ بناء على ما ذكروا أن قولك: زيد من العالمين، أبلغ من زيد عالم لجعله غريقا في العلم أبا عن جد، وإن قلنا بأن فَتَكُونا دالة على الدوام ازدادت المبالغة، ومن الناس من قال: لا تقرب -بفتح الراء- نهي عن التلبس بالشيء -وبضمها- بمعنى لا تدن منه" (٢).

قال القاسمي: "وإنما علق النهي بالقربان منها، مبالغة في تحريم الأكل، ووجوب الاجتناب عنه، لأن القرب من الشيء مقتضى الألفة، والألفة داعية للمحبة، ومحبة الشيء تعمي وتصم، فلا يرى قبيحا، ولا يسمع نهيا، فيقع، والسبب الداعي إلى الشر منهي عنه، كما أن السبب الموصل إلى الخير مأمور به، وعلى ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «العينان تزنيان» لما كان النظر داعيا إلى الألفة، والألفة إلى المحبة، وذلك مفض لارتكابه، فصار النظر مبدأ الزنا، وعلى هذا قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنى) [الإسراء: ٣٢]، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" (٣).

قال ابن عثيمين: "إن الله تعالى قد يمتحن العبد، فينهاه عن شيء قد تتعلق به نفسه؛ لقوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}؛ ووجه ذلك أنه لولا أن النفس تتعلق بها ما احتيج إلى النهي عن قربانها، أنه قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله؛ للمبالغة في التحذير منه؛ فإن قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}، المراد: لا تأكلا منها، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها" (٤).


(١) مفاتيح الغيب (٣/ ٤٥٤ - ٤٥٣)
(٢) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٢٣٦).
(٣) محاسن التأويل (١/ ٢٩٢).
(٤) تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (١/ ١٣٠ - ١٣١).

<<  <   >  >>