للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استنباطات سورة الأعراف]

[[السكن حق على الرجل والمرأة تابعة له فيه وبهذا تحقق القوامة]]

قال تعالى: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)} [سورة الأعراف: ١٩]

١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والآية ترشد إلى أن المرأة تابعة للرجل في السكنى والمعيشة باقتضاء الفطرة، وهو الحق الواقع الذي يعد ما خالفه شذوذا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب النكاح، في مسألة السكن حق على الرجل والمرأة تابعة له فيه وبهذا تحقق القوامة، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: أرشدت الآية إلى أن المرأة تابعة لزوجها في مكان إقامته، ومن خلاله يتمكن من أداء واجبه في القوامة عليها، وهذا حق كفلته الشريعة الإسلامية للمرأة المسلمة، وهو من مقتضيات الفطر السليمة، ولا ينادي بخلافه إلا منتكس الفطرة، صاحب الهوى والشذوذ.

وقد أشار بعض المفسرين إلى معنى السكن ولم يتطرقوا إلى أنه حق على الرجل وأن المرأة تابعة له فيه، وممن قال بذلك البيضاوي حيث قال: " (قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) السكنى من السكون لأنها استقرار ولبث، وأنت تأكيد أكد به المستكن ليصح العطف عليه، وإنما لم يخاطبهما أولا تنبيها على أنه المقصود بالحكم والمعطوف عليه تبع له" (٢).

وقال أبو السعود: " {اسكن أنت وزوجك الجنة} هو من السكن الذي هو عبارة عن اللبث والاستقرار والإقامة لا من السكون الذي هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن ليصح العطف عليه والفاء في قوله تعالى {فكلا من حيث شئتما} لبيان المراد مما في سورة البقرة من قوله تعالى وكلا منها رغدا حيث شئتما من أن ذلك كان جمعا مع الترتيب وقوله تعالى من حيث شئتما في معنى منها حيث شئتما ولم يذكر ههنا رغدا ثقة بما ذكر هناك وتوجيه الخطاب إليهما لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له -عليه السلام- في حق الأكل بخلاف السكن فإنها تابعة له فيه ولتعليق النهي بها صريحا في قوله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة} " (٣).

بينما قال ابن عطية: "اسْكُنْ معناه لازم الإقامة، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن، وأَنْتَ تأكيد للضمير الذي في اسْكُنْ، وَزَوْجُكَ عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة" (٤)، ومثله القرطبي (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٠٨).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ٧٢).
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢٢٠).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ١٢٦).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (١/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>