للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشار إلى هذا الاستنباط أبو السعود فقال: "التفات من خطابهم إلى الغيبة، إعراضا عنهم، وتوجيها لخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتعديد جناياتهم المضادة لما أريد منهم بالاستخلاف من تكذيب الرسول والكفر بالآيات البينات وغير ذلك، كدأب من قبلهم من القرون المهلكة وصيغة المضارع للدلالة على تجدد جوابهم الآتي حسب تجدد التلاوة" (١)، والألوسي (٢).

وقال أبو حيان: "خاطب الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- على هذه الصورة من المخاطبة، وقفه بها توقيفا رادا على أقوالهم، ومبطلا لها" (٣).

[[الاختلاف في كتاب الله شقاق وعدوان]]

قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)} [سورة يونس: ١٩]

٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والآية تتضمن الوعيد على اختلاف الناس المفضي إلى الشقاق والعدوان، ولا سيما الاختلاف في كتاب الله الذي أنزله لإزالة الشقاق بحكمه، وإدالة الوحدة والوفاق منه" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الاعتصام، في مسألة الاختلاف في كتاب الله شقاق وعدوان، بدلالة المخالفة.

وجه الاستنباط: في الآية وعيد من الله لمن كان الشقاق والعدوان منهجه، وأن الاختلاف في كتاب الله شقاق وفرقة خطيرة المآل، وهو سبب لاختلاف الناس، وأن هذا الخلاف ليس من الخلاف المتبع لكتاب الله الذي أزال الشقاق بحكمه ودلهم إلى الوحدة والوفاق، فإن وحدة الكتاب سبب لوحدة الكلمة.

قال الرازي: "أنه تعالى قال: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ولا شك أن هذا وعيد، وصرف هذا الوعيد إلى أقرب الأشياء المذكورة أولى، والأقرب هو ذكر الاختلاف، فوجب صرف هذا الوعيد إلى هذا الاختلاف، لا إلى ما سبق من كون الناس أمة واحدة، وإذا كان كذلك، وجب أن يقال: كانوا أمة واحدة في الإسلام لا في الكفر، لأنهم لو كانوا أمة واحدة في الكفر لكان اختلافهم بسبب الإيمان، ولا يجوز أن يكون الاختلاف الحاصل بسبب الإيمان سببا لحصول الوعيد. أما لو كانوا أمة واحدة في الإيمان لكان اختلافهم بسبب الكفر، وحينئذ يصح جعل ذلك الاختلاف سببا للوعيد" (٥).


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٢٨).
(٢) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٦/ ٧٩).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٦/ ١٢٨).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١١/ ٢٦٩).
(٥) مفاتيح الغيب (١٧/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>