للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن سعدي: " أخبر أن من كانت همته وإرادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في الآخرة فإنه قد قصر سعيه ونظره، ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء الذي عنده ثواب الدنيا والآخرة، فليطلبا منه ويستعان به عليهما، فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا تدرك الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدوام، وله الحكمة تعالى في توفيق من يوفقه، وخذلان من يخذله وفي عطائه ومنعه" (١).

[[فقه إنكار المنكر]]

قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)} [سورة النساء: ١٤٠]

٢٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "هذا تعليل للنهي، ولا يجتمع الإيمان بالشيء وإقرار الكفر والاستهزاء به، ويؤخذ من الآية أن إقرار الكفر بالاختيار كفر، ويؤخذ منه أن إقرار المنكر والسكوت عليه منكر، وهذا منصوص عليه أيضا، وأن إنكار الشيء يمنع فشوه بين من ينكرونه حتما، فليعتبر بهذا أهل هذا الزمان " (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مسألة فقه إنكار المنكر، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: إقرار الكفر والاستهزاء بأي أمر من أمور الدين يستلزم عدم الإيمان، وعليه يجب مفارقة أماكن إقرار الكفر والاستهزاء بالدين، لأن من ثمرة ذلك تحقق الإيمان في القلب، كما أنه من المنكر إقرار المنكر والسكوت عليه، فأوجب الشرع إنكاره، لأن في القيام بهذه الشعيرة حداً من انتشار هذا المنكرات وفشوها، وهذه قاعدة شرعية نافعة للناس في كل زمان ومكان.

قال الطبري: "فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، مثلُهم في فعلهم، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله. فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه" (٣).


(١) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٢٠٨).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٣٧٨).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (٩/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>