للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: "من كان يريد ثواب الدنيا كالمجاهد يجاهد للغنيمة. فعند الله ثواب الدنيا والآخرة فما له يطلب أخسهما فليطلبهما كمن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، أو ليطلب الأشرف منهما، فإن من جاهد خالصا لله سبحانه وتعالى لم تخطئه الغنيمة وله في الآخرة، ما هي في جنبه كلا شيء، أو فعند الله ثواب الدارين فيعطي كلا ما يريده كقوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه الآية وكان الله سميعا بصيرا عالما بالأغراض فيجازي كلا بحسب قصده" (١). ومثله أبو السعود (٢).

وقال أبو حيان: "والذي يظهر أن جواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه، والتقدير: من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه، وليطلب الثوابين، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة. وقال الراغب: فعند الله ثواب الدنيا والآخرة تبكيت للإنسان حيث اقتصر على أحد السؤالين مع كون المسئول مالكا للثوابين، وحث على أن يطلب منه تعالى ما هو أكمل وأفضل من مطلوبه، فمن طلب خسيسا مع أنه يمكنه أن يطلب نفيسا فهو دنيء الهمة، قيل: والآية وعيد للمنافقين لا يريدون بالجهاد غير الغنيمة. وقيل: هي حض على الجهاد" (٣).

وقد أشار المفسرون إلى أن الآية في المنافقين والكفار، ومن ذلك ما قاله ابن جرير الطبري: "ممن أظهر الإيمان لمحمد -صلى الله عليه وسلم- من أهل النفاق، الذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون الإيمان {ثواب الدنيا} يعني: عرض الدنيا، بإظهار ما أظهر من الإيمان بلسانه، جزاؤه في الدنيا منها وثوابه فيها، هو ما يصيب من المغنم إذا شهد مع النبي مشهدا، وأمنه على نفسه وذريته وماله، وما أشبه ذلك، وأما ثوابه في الآخرة فنار جهنم" (٤).

وقال ابن عطية: "أي: من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أن ثم سواه، فليس هو كما ظن، بل عند الله تعالى ثواب الدارين، فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب الدنيا وأعطاه قصده، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب" (٥).

وقال القرطبي: "أي من عمل بما افترضه الله عليه طلبا للآخرة آتاه الله ذلك في الآخرة، ومن عمل طلبا للدنيا آتاه بما كتب له في الدنيا وليس له في الآخرة من ثواب، لأنه عمل لغير الله كما قال تعالى: (وما له في الآخرة من نصيب). وقال تعالى: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار). وهذا على أن يكون المراد بالآية المنافقون والكفار، وهو اختيار الطبري. وروي أن المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة، وإنما يتقربون إلى الله تعالى ليوسع عليهم في الدنيا ويرفع عنهم مكروهها، فأنزل الله عز وجل (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا) أي يسمع ما يقولونه ويبصر ما يسرونه" (٦).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٠٢).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ٢٤١).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٩٣).
(٤) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٧/ ٥٨٣).
(٥) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ١٢٢).
(٦) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤١٠).

<<  <   >  >>