للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير: "وقوله: {ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}، أي: لا عليك منه، إن عليك إلا البلاغ فمن تبعك سعد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيء، كما جاء في الحديث: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه" (١).

وقال ابن عاشور: "ومن تولى أو أعرض واستمر على المكابرة فما أرسلناك عليهم حفيظا، أي حارسا لهم ومسؤولا عن إعراضهم، وهذا تعريض بهم وتهديد لهم بأن صرفه عن الاشتغال بهم، فيعلم أن الله سيتولى عقابهم" (٢).

[[تدبر القرآن فرض على كل مكلف]]

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [سورة النساء: ٨٢]

١٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفيه أن تدبر القرآن فرض على كل مكلف لا خاص بنفر يسمون المجتهدون يشترط فيهم شروط ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما الشرط الذي لا بد منه ولا غنى عنه، هو معرفة لغة القرآن مفرداتها وأساليبها" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العلم، في مسألة تدبر القرآن فرض على كل مكلف، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: الأمر بالتدبر أمر عام لكل مسلم لكي يهتدي لما أمر الله به في كتابه، وجعل الشيخ له شرطا واحدا هو معرفة لغة القرآن ومفرداتها وأساليبها، كل بحسب قدرته.

والشيخ هنا يقصد التدبر بالمعنى العام، أما التدبر بمعنى معرفة هدايات ومقاصد الآيات، فلا بد عند النظر في الآيات والاستدلال بها أن يكون عن علم وبصيرة ومعرفة بمعاني الآيات، ولذا قلل الشيخ هنا من شأن شروط المجتهد، التي ذكرها وحررها العلماء.

قال ابن كثير: "قال تعالى آمرا عباده بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضاد ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق" (٤).

قال البغوي: "قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن، يعني: أفلا يتفكرون في القرآن، والتدبر هو النظر في آخر الأمر، ودبر كل شيء آخره، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، أي تفاوتا وتناقضا كثيرا، قاله ابن عباس" (٥)، ومثله البيضاوي والنسفي وأبو السعود (٦).


(١) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٣٦٤).
(٢) التحرير والتنوير (٥/ ١٣٥).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٢٤٠).
(٤) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٣٦٤).
(٥) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٦٦٧).
(٦) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٨٦)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٣٧٨)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>